كتاب عربي 21

عندما كان نتنياهو "مهزوما وضعيفا".. واهتز قلب كيري له!!

فراس أبو هلال
1300x600
1300x600

في كتاب جديد لوزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري عن حياته السياسية؛ يقول الدبلوماسي المخضرم أنه التقى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أثناء العدوان على غزة عام 2014 للحديث عن الهدنة، ويضيف أنه لأول مرة يرى نتنياهو "مهتزا وهشا وبغير طاقته المعهودة"، وأن مشهده بهذه الصورة "مسّه"، لأن من الصعب عليه أن يرى زعيم إسرائيل على هذه الهيئة!


يكتسب هذا التصريح أهمية كبيرة لأنه يأتي على لسان وزير خارجية لم يكن على وفاق مع نتنياهو، وفي ظل إدارة أمريكية "عانت" من صلف وعنجهية رئيس حكومة الاحتلال كما لم يحصل مع أي إدارة سابقة، وهو ما يعني أن اهتزاز كيري لصورة نتنياهو الضعيف لم يكن تعاطفا معه، بل مع دولة الاحتلال، ولذلك فإن النص الذي استخدمه كيري لوصف المشهد هو "أن أرى زعيم إسرائيل (ولم يقل نتنياهو) بهذه الصورة هو أمر مسّني"، الأمر الذي يعطي صورة واضحة عن مدى سوء المشهد بالنسبة لنتنياهو وكيري على حد سواء.

 

ما يهمنا كعرب في هذا الإطار هو ضرورة الانتهاء من وهم الرهان على الإدارة الأمريكية لتحقيق حقوق الفلسطينيين والعرب


ثمة دلالات كثيرة لهذا التصريح الفريد، ولكن أهمها هو ما يكشف طبيعة علاقة الولايات المتحدة مع دولة الاحتلال، وما يكشف من جهة أخرى علاقة الاحتلال مع الشعب الفلسطيني.


إن تعبير كيري عن اهتزازه لرؤية نتنياهو بهذه الصورة مع أنه لم يكن متوافقا معه بل ويحمله المسؤولية عن تراجع فرص "السلام" بحسب ما أشار في نفس الكتاب يدل على طبيعة العلاقة العضوية بين تل أبيب وواشنطن، وهي العلاقة التي لا تتأثر بمن يحكم في العاصمتين، وإنما هي علاقة إستراتيجية تقوم على ضمان أمريكا لأمن دولة الاحتلال وتفوقها الاستراتيجي بأي ثمن، بالرغم عن أي خلاف بين حكومتي واشنطن وتل أبيب.

 

اقرأ أيضا: كيري: لم أر نتنياهو ضعيفا كما كان في حرب 2014.. تفاصيل

 

ما يهمنا كعرب في هذا الإطار هو ضرورة الانتهاء من وهم الرهان على الإدارة الأمريكية لتحقيق حقوق الفلسطينيين والعرب، إذ أن الاختلاف بين أي إدارة أمريكية وأخرى تجاه الصراع العربي الفلسطيني هو اختلاف في التفاصيل وفي الخطاب فقط، أما استراتيجيا فإن السياسة ببعدها الجذري واحدة، ولهذا فإن الرهان يجب أن يكون على الفعل العربي والفلسطيني لا على كرم الاحتلال أو أمريكا، وهذا بالضبط ما تكشفه الدلالة الثانية الأهم في تصريح كيري.

 

ثمة دلالات كثيرة لهذا التصريح الفريد، ولكن أهمها هو ما يكشف طبيعة علاقة الولايات المتحدة مع دولة الاحتلال، وما يكشف من جهة أخرى علاقة الاحتلال مع الشعب الفلسطيني.


لماذا كان نتنياهو بهذه الصورة أثناء عدوان 2014 دون غيره من الأوقات؟ الإجابة لا تحتاج لذكاء أو لبحث، فمن المؤكد أنه لم يكن ضعيفا أو مهزوزا بسبب تداعيات "أوسلو" أو "التنسيق الأمني المقدس"، أو المؤتمرات واجتماعات "القيادة الفلسطينية" الكثيرة، لقد بدا مهزوزا لأنه من المرات النادرة القليلة التي يشعر فيها رئيس حكومة الاحتلال بأن احتلاله له ثمن، وأنه ليس ذلك الاحتلال الذي تسميه بعض الصحف الأجنبية بأنه احتلال ثمنه صفر!


هذه إذن هي دلالة تصريح كيري الأهم التي تؤكد أن الاشتباك بين الشعب الفلسطيني المحتل مع احتلاله بأي وسيلة ممكنة وقانونية هو وحده الكفيل بتدفيع حكومة الاحتلال ثمنا لجرائمها وممارساتها القمعية، وحصارها، وسيطرتها على تاريخ وحاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني. 


لا يهم هنا نوع الاشتباك، فالمهم هو أن يدفع الاحتلال كلفة سياسية وأمنية واقتصادية، وأن يخسر شرعيته، وأن يلاحق القتلة من سياسييه وعسكرييه قانونيا وأن يعاملوا كما يستحقون كمجرمي حرب، وهو ثمن لا يمكن أن يحصل بمجرد الأمنيات، ولا بالتصريحات، بل بالاشتباك الذي يعيد للصراع معناه الحقيقي، والذي ينهي أكذوبة عملية السلام التي لم تقدم للفلسطينيين شيئا، ولكنها بالمقابل منحت الاحتلال شرعية أدخلته للدبلوماسية العالمية من أوسع الأبواب، وسخفت الصراع ليبدو وكأنه "نقاش" سياسي بين كيانين جارين هما دولة الاحتلال و"السلطة" الفلسطينية.

 

لاشتباك بين الشعب الفلسطيني المحتل مع احتلاله بأي وسيلة ممكنة وقانونية هو وحده الكفيل بتدفيع حكومة الاحتلال ثمنا لجرائمها


ليست الحرب بالطبع هي الوحيد الكفيلة بتدفيع الاحتلال ثمنا لجرائمه، بل هي نوع الاشتباك الأقل كلفة على تل أبيب، فقد أثبتت الانتفاضة الأولى عام 1987 وغيرها من الأحداث أن المقاومة الشعبية السلمية في الظروف الحالية هي أكثر ما يؤلم الاحتلال ويكشف عوراته أمام العالم، ويجعله في موقف الدفاع أمام الشعب الفلسطيني.


ولعل تجربة مسيرة العودة الكبرى العظيمة هي آخر الأمثلة على أهمية الاشتباك الشعبي مع الاحتلال، ولا بد أن من سخروا منها أو قللوا من أهميتها عند إعلانها يدركون اليوم أن هذه المسيرة هي من أجبرت الاحتلال على السعي بشكل حثيث لتوقيع صفقة تهدئة مع الفصائل في قطاع غزة بعد أن كشفت هذه المسيرة الوجه البشع الحقيقي للاحتلال أمام العالم.


قد لا تنجح صفقة التهدئة، وقد لا تكون-استراتيجيا- في صالح الفلسطينيين في صراعهم الطويل مع الاحتلال، ولكنها تثبت على الأقل أن النضال الشعبي حرك المياه الراكدة، ومن المحتمل أن يساهم في رفع الحصار الجائر عن قطاع غزة، كما أنها بكل تأكيد هزت و"هزمت" نتنياهو، ومن المؤكد أن وزيرا أمريكيا آخر سيكشف يوما ما أنه لم ير رئيس حكومة الاحتلال مهزوما وضعيف كما رآه أثناء اشتباك الفلسطينيين مع احتلاله البغيض في مسيرة العودة الكبرى!

التعليقات (1)
القضية المركزية
الثلاثاء، 04-09-2018 01:32 ص
(جون كيرى) هو واحد من أخبث السياسيين الأمريكيين الذى عرفتهم السياسة العالمية المعاصرة ، و برز ذلك بشكل خاص من خلال الدور الخطير الذى لعبه فى سياسات الشرق الأوسط أثناء توليه منصب وزير خارجية الولايات المتحدة (2013 - 2017) ! حيث دعم الثورات المضادة التى وقعت فى بلدان الربيع العربى ، مثلما حدث فى مصر و تونس و ليبيا و اليمن ، و كان حليفا و صديقا شخصيا لسفاح سوريا بشار الأسد ، و هو من أيد اقتراح الأسد بتدخل روسيا عسكريا فى سوريا و الذى بدأ فى سبتمبر / أيلول عام 2015 م ، كما لعب دورا محوريا فى تشكيل التحالفات العسكرية الدولية لحرب داعش فى العراق و سوريا و ليبيا ! لكن الدور الذى لعبه و لم يظهر على السطح هو ترويضه لقادة (إسرائيل) فيما يخص تصعيدهم العسكرى ضد الفلسطينيين ، و ذلك حفاظا على المصالح الأمريكية فى كل مكان ! فقرار شن الحرب على غزة ، و اختيار توقيته لم يعد فى يد (إسرائيل) ، بل صار يأتى بضوء أخضر مباشر من الولايات المتحدة ! و نشأ ذلك بعد إدراك دوائر صنع القرار فى واشنطن خلال السنوات الماضية أن العدوان العسكرى الصهيونى ضد الفلسطينيين ، و ما يترتب عليه من استفزاز لمشاعر المسلمين المعادية للولايات المتحدة و (إسرائيل) ؛ هو أكبر تهديد للمصالح الأمريكية على إمتداد الأرض ! و قد تجلى ذلك بشكل واضح خلال انتفاضة الأقصى (2000 - 2005) ، و ما صاحبها من مجازر وحشية ارتكبها الصهاينة بحق الفلسطينيين ، فى تأجيج مشاعر المسلمين المعادية للولايات المتحدة فى كل مكان ، و تمهيد الطريق أمام هجمات 11 سبتمبر / أيلول عام 2001 م ، و ما سبقها من استهداف للمدمرة الأمريكية (يو إس إس كول) فى عدن بأكتوبر / تشرين أول عام 2000 م ! و لا ننسى تصريحا شهيرا أدلى به (ديفيد بترايوس) قائد قيادة المنطقة الوسطى للجيش الأمريكى عام 2010 م ؛ حين حمل سياسات (إسرائيل) المسؤولية عن ازدياد تجنيد الجهاديين الذين يستهدفون قواته ! و جاء وقف العدوان الصهيونى على غزة صيف عام 2014 م ، و إعلان الهدنة بين حماس و (إسرائيل) - بعد أن كان الجيش الصهيونى يعد العدة لاجتياح القطاع - بضغط أمريكى فى ظل التهديدات المحدقة بالمصالح الأمريكية فى المنطقة آنذاك ، و التى تمثلت فى التمدد المذهل لتنظيم داعش فى العراق و سوريا ، و هجمات مجاهدى أنصار الشريعة فى بنغازى ضد مواقع قوات (خليفة حفتر) عميل واشنطن ، و إجلائهم عنها ! فلم يكن أمام الأمريكيين من خيار حينها سوى إيقاف الحرب على غزة من أجل الحد من التعاطف الشعبى المتزايد مع المد الجهادى فى كل مكان ، و التمهيد لإنشاء تحالف عسكرى (عربى - غربى) لحرب الدواعش فى سوريا و العراق ، و دعم فرنسا و الإمارات و مصر و الأردن لقوات حفتر لمواصلة الحرب ضد المجاهدين فى ليبيا !