قضايا وآراء

قضية أوزيل بين السياسة والرياضة

ماجد عزام
1300x600
1300x600
أعلن مسعود أوزيل صانع ألعاب أرسنال والمنتخب الألماني في نهاية شهر تموز/ يوليو الماضي اعتزاله اللعب الدولي، مشيراً إلى أنه عانى من العنصرية وقلة الاحترام في الفترة الماضية، على خلفية صورته الشهيرة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أيار/ مايو الماضي، ثم الأداء المخيب للمانشافت في مونديال روسيا 2018، والخروج من دوري المجموعات لأول مرة في تاريخ كأس العالم.

أوزيل الألماني التركي قال إنه يصبح ألمانياً عند الفوز، ومهاجراً لاجئاً عند الهزيمة، وهو اتهم صراحة الاتحاد الألماني لكرة القدم ورئيسه رينهارد جريندل؛ بتركه وحيداً، وعدم الدفاع عنه، وعدم أخذ وضعه وآرائه وأصوله وخلفياته العرقية بعين الاعتبار.

لا شك أن ثمة أبعادا سياسية ورياضية لما بات يعرف بقضية أو قصة أوزيل، التي ما زالت تتفاعل حتى الآن، وهي بالتأكيد ستترك آثارها على المنتخب الألماني في السياق الرياضي، كما على اندماج المهاجرين اللاجئين في المجتمع بشكل عام.

في الجانب الرياضي لا شك أن مسعود أوزيل كان سيئاً باهتاً في المونديال، لكن الفريق كله كان سيئاً باهتاً. ولا شك أن رئيس نادي بايرن ميونيخ أولي هونيس، الذي ما زال يمعن في صب الزيت على النار، لم يمتلك الشجاعة والاستقامة عندما اتهم أوزيل بالإهمال وسوء المستوى وعدم الأهلية للعب الدولي، متجاهلاً لاعبي المنتخب الآخرين، وتحديدا لاعبي البايرن، وهم يشكلون القوام أو الهكيل الأساسي للمنتخب في السنوات الأخيرة. فأوزيل لم يكن أسوأ من بواتينجه وميلس ومولر ونوير، والكارثة كيميتش صاحب الأداء الدفاعي الكارثي، والمنتخب ككل عانى خللا فنيا تكتيكيا جماعيا واضحا؛ يتحمل مسؤوليته مباشرة المدرب يواكيم لوف (الذي تم تجديد الثقة فيه بعد المونديال)، فهو (أي لوف) جرّب تشكيلة جديدة في كأس القارات العام الماضي، ولكنه عاد للحرس القديم في مونديال روسيا، وعجز عن بناء فريق جديد بعد مونديال البرازيل، وأعطى الفرصة لمهاجم شاب (فيرنر) دون خبرات، وكان بمثابة عبء على الفريق. لوف لم يقم بالخيارات التكتيكية الصحيحة لإعطاء فرصة مساحة أكبر للاعبي الوسط للتواجد في منطقة جزاء الخصم. ورغم إبعاده ليروي ساني، أفضل لاعب شاب في الدوري الإنجليزي، بحجة أنه يلعب على الخط الجانبي أكثر من العمق، إلا أننا لم نر عملا هجوميا لافتا من لاعبي الوسط الآخرين. والأهم من كل هذا، أنه (أي لوف) عجز عن سد معالجة الفجوة الهائلة خلف الظهير الأيمن، لاعب بايرن كيميتش، التي استغلها كل خصوم الألمان في المجموعة السادسة للمونديال.

إذن من الزاوية الرياضية، فإن ترك أوزيل وحيداً، مع عدم الدفاع عنه، حتى عدم الاستعداد لسماع وجهة نظره وموقفه (كما فعل رئيس الاتحاد)، بل كيل الاتهامات الانتقادات له وتحميله وحده المسؤولية الأساسية عن خروج المنتخب (كما فعل هونيس). وحتى مدير المنتخب (بيرهوف) الذي سحب كلامه فيما بعد، لم يكن عادلاً، فلاعب سجل 23 هدفا وصنع 40 فرصة للتسجيل مع المانشافت، وفاز بلقب أفضل لاعب ألماني خمس مرات منها، ثلاث مرات بعد العام 2014، لا يمكن أن يكون لاعباً سيئاً باهتاً متكاسلاً أو متخاذلاً.

رياضياً؛ لا شك في أن ميسوت (كما يقال بالتركي) عانى فنياً في الموسم المنصرم مع المدفعجية، لم يكن متألقاً كما فعل في العام الذي سبقه، وربما تأثّر بقصة التفكير في الانتقال لناد آخر، أو التجديد للنادي، كما فعل وربما تأثر بالجدل حول إقالة مدربه المعلم فينغر، وتراجع الفريق بشكل عام، إلا أنه ما زال في عز عطائه، فلم يبلغ الـ30 بعد. وبالتأكيد ما زال قادراً على الإبداع، وجودته الفنية ليست محل شك، ولا تجب أن تكون كذلك في أي حال من الأحوال. وهذا كان سبب رفض المدفعجية التفريط به، بتجديد تعاقده مع منحه راتبا أسبوعيا مرتفعا جداً؛ وضعه ضمن قائمة اللاعبين الأعلى أجراً في الدوري الإنجليزي الأقوى عالمياً.

في الجانب السياسي، لم يخطئ أوزيل بالتقاط صورة مع الرئيس التركي أردوغان، علماً أن أصوله جذره وعائلته تعود إلى تركيا.. هو ألماني تركي، كما يعرف نفسه دائماً. وكان يمكن للقصة أن تمر بسهولة لولا الاستغلال الرخيص والعنصري من قبل اليمين المتطرف الألمانى، وصمت وضعف جهات سياسية ورياضية عديدة، منهم رئيس الاتحاد الألماني نفسه؛ الذي كان قد وصف منذ 10 سنوات تقريباً، وفي تصريح شهير، قصة الاندماج في المنتخب والرياضة بالكذبة الكبيرة.

أوزيل لم يهدف أبداً إلى خدمة أو تقديم المساعدة للرئيس أردوغان، الذي لم يسع لذلك أصلاً، كما لم تهدف ميركل لمساعدته عندما وجهت دعوة له لزيارة ألمانيا قبل الانتخابات الرئاسية التركية الأخيرة. النتيجة أن أوزيل دفع ثمن كونه مهاجرا تركيا مسلما، وكان هدف ضحية المد اليميني النازي المتطرف المتصاعد في البلد. ومع اتهامه وشيطنته رياضياً، وطلب إبعاده عن المنتخب قبل المونديال، تم تحميله مسبقاً مسؤولية أي تعثّر محتمل أو كبوة للفريق، وهو ما حصل فعلاً.

أسطورة المانيا وبايرن ميونيخ لوثر ماتيوسكال الاتهامات والانتقادات لازويل أيضاً، رغم أنه قام هو نفسه بالتقاط صورة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دون أن يتعرض لأي هجوم أو تلقى انتقادات بتلميع صورة بوتين وتقديم خدمة سياسية له.

سياسيا أيضاً جاءت ردود الفعل الألمانية باهتة خجولة، وتهربت من اتخاذ موقف قوي وصريح داعم لأوزيل، والمهاجرين بشكل عام. وعلى العكس، جاءت ردود الفعل السياسية التركية التي حرصت على دعم قرار ميسوت وخياره، لكن دون التورط في التفاصيل، مع التأكيد على رفض العنصرية والفاشية الجديدة التي سجل في مرماها أجمل هدف له، حسب تعبير وزير العدل التركي عبد الحميد غل.

عموماً، فإن قرار إعلان أوزيل الاعتزال الدولي، كان مناسباً عادلاً غير مفاجئ قياساً لتطور الأحداث، وهو أحدث هزة في الوسط الرياضي السياسي بشكل عام، غير أن التعاطي معها للأسف لم يكن في الاتجاه الإيجابي. فرياضياً كان رد الفعل خجولا خاطئا، ولم نلحظ أي بوادر لمعالجة جذور أصل المشكلة التي لم يتم الإقرار بها أصلاً. بل على العكس، يمعن رئيس أكبر ناد ألماني، متهرب من الضرائب (رد السجون)، في إهانة وتحقير أوزيل، والنتيجة أن الاعتزال سيؤثر سلباً على المنتخب في المرحلة القادمة، مع كتيبة اللاجئين والمهاجرين في صفوفه. وسياسياً واجتماعياً سيترك القرار آثارا سلبية على اندماج المهاجرين، وحتى أبنائهم في المجتمع، وتقبل هذا الأخير لهم، وتحديداً إذا ما كانوا قادمين من أصول جذور مسلمة.

في النهاية، فإن الطفرة التي عاشتها الكرة الألمانية في السنوات العشر الماضية لم تكن لتتحقق دون الدماء والحيوية التي ضخها المهاجرون في شرايين المنتخب والرياضة الألمانية بشكل عام، كما قال الأسطورة بكنباور (الصامت للأسف أمام قصة أوزيل) ذات مرة، أثناء محنة التسعينيات أن الكرة الألمانية لن تتقدم وتنهض إلا بوجود لاعبين سمر (في إشارة واضحة إلى المهاجرين واللاجئين) يرقصون عند تسجيل الأهداف، وهو ما حصل بالفعل، ولكن يبدو أن البيئة الرياضية السياسية الاجتماعية الألمانية لم تعد مؤاتية لذلك.
التعليقات (0)