قضايا وآراء

تركيا تُقلق إسرئيل

عبد الناصر عيسى
1300x600
1300x600

تزايدت في الآونة الأخيرة التقارير والأخبار التي تشير إلى قلق إسرائيلي متصاعد من النشاط التركي الداعم للفلسطينيين بشكل عام، ولفلسطينيي القدس بشكل خاص. وأشارت التقارير أيضا إلى وجود تحريض من بعض الأطراف العربية، وحتى الفلسطينية، تجاه ما أصبح يسمى بالتأثير التركي في القدس وفلسطين. فما هي أسباب هذا القلق؟

تشكل تركيا بقيادة الرئيس الصاعد رجب طيب أردوغان؛ معضلة للسياسة الإسرائيلية. فلإسرائيل مصالح سياسية واقتصادية في بقاء العلاقة العلنية مع تركيا مستقرة نسبيا على الأقل في هذه المرحلة، حيث تقتضي الحنكة السياسية عدم فتح جبهة علنية إضافية ضد الأتراك؛ في وقت تبذل إسرائيل وحلفاؤها العرب جهودا جبارة لمواجهة الوجود الإيراني في المنطقة. 

ومن جهة أخرى، فقد تزايدت التقديرات الإسرائيلية المهنية التي تشير إلى ثبات ورسوخ السياسة التركية في توجهها التدريجي المبتعد عن أمريكا وإسرائيل بوجه خاص. وقد انعكس هذا الأمر في إجماع إسرائيلي نادر بين اليمين واليسار على رفض أردوغان إلى درجة الكراهية، وظهر هذا من خلال تصريحات أو مقالات لشخصيات إسرائيلية مؤثرة، كوزير الدفاع الأسبق موشيه يعالون، والتي ترى بتزايد النفوذ التركي خطرا لا يقل عن ذاك الإيراني، وقد يكمن الفرق في عيونهم بقدرة إسرائيل على إثبات ذلك، وبالتالي سهولة مساعيها لتجنيد الرأي العام العالمي الشعبي والرسمي لمواجهة النفوذ التركي. فالمشروع التركي يعتمد بالاساس على أساليب ومقاربات ومعايير حديثة ومقبولة في التفكير والمنهج الغربي، كالديموقراطية والاقتصاد وحقوق الإنسان، فكيف تعاملت إسرائيل مع هذه المعضلة التركية؟

يبدو أن واقع السياسة الإسرائيلية تجاه تركيا يشير إلى ازدواجية معينة، وذلك في محاولة لمواجهة تلك المعضلة. ففي العلن تظهر إسرائيل خطابا منضبطا وممتصا في كثير من الأحيان؛ لمواقف وتصريحات الرئيس أردوغان ضدها، على أمل تراجع قوة أردوغان وحزبه الإسلامي، وعلى قاعدة التفريق بين الدولة التركية وبين الرئيس أردوغان وحزبه، أما في السر فقد عملت على إضعاف قوة الرئيس أردوغان بكل وسيلة هادئة وماكرة ممكنة وذلك بالاعتماد على حلفائها الأمريكان وبعض الأنظمة العربية. وقد تتضاعف وتتطور هذه السياسة بعد نجاح أردوغان في تجاوز سياسة التفريق بينه كرئيس وبين تركيا كدولة، من خلال نجاحه الواضح في الانتخابات الأخيرة. ويبدو أن تركيا تستعد وقد تكون أعدت نفسها لمرحلة جديدة قد تنتهي بالقطيعة السياسية بين البلدين، والتي ترجو إسرائيل أن لا تكون قريبة، وهي تعمل من أجل ذلك من خلال وضع المزيد من العقبات، وتحديدا الاقتصادية، في وجه مشروع الرئيس أردوغان لإعادة تركيا إلى مصاف الدول العظمى.

إسرائيل تدرك أنها ليست أولوية في مشروع الرئيس أردوغان، وعلى الأرجح أنها ستتحول كذلك بعد ثبات وتقدم مشروع أردوغان الحديث؛ لأنها تعلم بأن القطيعة مرتبطة بثبات واستقرار النظام، لذا فهي تستغل هذه الفرصة مستعينة بحلفائها لإضعاف المشروع التركي بالوسائل الناعمة، فهل ستنجح؟

التجربة تقول إن محاولاتها القادمة لإحباط أو إعاقة المشروع التركي بقيادة الرئيس أردوغان ستبوء بالفشل، فعوامل النجاح للمشروع التركي متينة وراسخة، وعلى رأسها قيادة ذكية وشعب واعٍ ومثابر.
التعليقات (0)

خبر عاجل