كتاب عربي 21

عالم من الشعبوية اليمينية يناسب تماماً مخطط إسرائيل الاستعماري

طه أوزهان
1300x600
1300x600

دخل نفوذ إسرائيل الغريب في واشنطن وفي المنطقة العربية مرحلة جديدة بوصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة. فبينما ذهبت تستغل الفراغ الذي تركته الانتفاضات العربية لترسخ احتلالها، حصلت إسرائيل من ترامب على دعم مفتوح ولا عقلاني لاحتلالها.

تعودت إسرائيل على الدوس على حقوق الفلسطينيين بفضل بوليصة التأمين السياسي المجاني التي تحصل عليها من البيت الأبيض. لقد بنت دولة إسرائيل قصوراً من الوهم الجيوسياسي على فرضية خيالية مفادها أنه لا مفر في يوم من الأيام من أن يتنازل الفلسطينيون عن جميع حقوقهم بل وحتى أنهم سيتخلون عن أرضهم. 

لم يعد أحد يثق بأن مثل هذه المقاربة ستثمر سلاماً في يوم من الأيام، وهي المقاربة التي تصر على توصيف الاحتلال الإسرائيلي كما لو كان بحكم الأمر الواقع نقطة البدء التي ستنطلق منها المفاوضات العبثية. 

شعبوية صاعدة

طورت إسرائيل عبر السنين منطقاً احتلالياً محدد المعالم يتجاوز الصهيونية التاريخية والأصولية. لا الأصوات العقلانية داخل إسرائيل ولا الانتقاد الدولي حالوا دون أطماع هذه "الجيوسياسة الاحتلالية" وهذا اللاهوت. 

لقد استمدت إسرائيل عوناً من الموجة المتصاعدة للشعبوية واليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة، وكذلك من موجة الشمولية التي اكتسحت منطقة الشرق الأوسط بعد أن تمكن الطغاة من التغلب على الانتفاضات العربية وإطفاء جذوة ثورات الشعوب.

 

بالنسبة للعقلية الجيوسياسية الإسرائيلية، توفر روح العصر في المنطقة بل وفي العالم بشكل عام أرضاً سوقية، ولكنها خصبة، من شأنها تعميق الاحتلال. 

ولعل ذلك ما سهل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والمذابح الروتينية التي ترتكب في غزة، وتجاهل الفلسطينيين كمحاورين.

 

لقد اختزلت إسرائيل المشكلة بأسرها في تحليل يتعلق بمعادلة الربح والخسارة، مما سمح للأمر الواقع بأن يبقى على قيد الحياة وأن يستمر لصالحها.

 

لا يمكن إعذار الجماعات الفلسطينية على إخفاقها في أن تصبح أكثر نضجاً من الناحية السياسية، وخاصة أن أزمة التمثيل الشعبي بعد وفاة ياسر عرفات ألقت بجميع المنظمات الفلسطينية إلى داخل دائرة مفرغة.

وما لم تواجه إسرائيل، التي باتت أسيرة عقلية تشبه عقلية إدارة السجن، انتفاضة جديدة أو تتعرض لضغط جاد من قبل دول الإقليم، فسوف يراوح الأمر الواقع في مكانه. 

لا ترى إسرائيل الحلقة المفرغة التي طالما حذر منها اللاعبون الآخرون، وذلك لأنها غارقة في مستنقع حالة من الذهنية الإشكالية، والتي زادت سوءاً منذ تولى ترامب منصب الرئاسة. وحالة الانفصام هذه تسمح لإسرائيل بأن تعيش ذهنياً في واشنطن مع وجودها جسداً داخل منطقة الشرق الأوسط. 

وفي زمن باتت فيه الفتوحات شيئاً من الماضي البعيد، بإمكان إسرائيل – التي تحتفظ بأطول حقبة احتلالية في التاريخ المعاصر – أن تظل في حالة سلام ووئام مع هذه الحالة فقط فيما لو عاشت في الماضي.

السياسة الفلسطينية

في هذه الأثناء بإمكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو والرئيس الأمريكي ترامب تصوير الاحتلال كما لو كان قصة نجاح، حيث لا تواجه هذه النظرة الضحلة معارضة واسعة النطاق في عصر اختزلت فيه الجغرافيا السياسية إلى قضية "الإرهاب" ما بعد الحادي من سبتمبر / أيلول. 

وانطلاقاً من شعور بالخوف الأعمى من الحركات الإسلامية، انضمت دول الخليج ومصر إلى محور ترامب نتنياهو في فترة ما بعد الربيع العربي، مما قلص إمكانيات إنهاء الاحتلال. 

كما أن الوضع الذي تعيشه الفصائل الفلسطينية لا يبعث على التفاؤل. ولكي تضمن عدم انطلاق عملية مفاوضات ذات معنى، بذلت إسرائيل كل ما في وسعها لكي تتأكد من عدم تحول الجماعات الفلسطينية من حركات مقاومة إلى أحزاب سياسية ممثلة للجماهير.

 

ومثل هذا المنطق المتخلف هو الذي صاحب الجهود التي بذلتها إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة لمنع حركة حماس من استلام السلطة بعد أن فازت بالانتخابات التشريعية في عام 2006. 

ومع ذلك، لا يمكن إعذار الجماعات الفلسطينية على إخفاقها في أن تصبح أكثر نضجاً من الناحية السياسية، وخاصة أن أزمة التمثيل الشعبي بعد وفاة ياسر عرفات ألقت بجميع المنظمات الفلسطينية إلى داخل دائرة مفرغة.

 

في تلك الأثناء، زادت الطين بلة تلك الأنظمة العربية التي اعتبرت المشكلة الفلسطينية عبئاً عليها في حقبة ما بعد الربيع العربي. 

التحول الديمقراطي الراديكالي


في هذه اللحظة، ليس بوسعنا توقع تحول في النموذج المتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فبعد خروج إدارة ترامب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تكون الولايات المتحدة قد أعلنت أنه ليس بإمكانها لعب دور الوسيط النزيه بالنسبة للفلسطينيين.

 

لم يعد ثمة جدوى من السعي مجدداً نحو توحيد المجموعات الفلسطينية المتشرذمة. بل المطلوب بإلحاح من الفلسطينيين الآن هو السعي نحو تمثيل فلسطيني ذي معنى ونحو تحول ديمقراطي راديكالي.

بالإضافة إلى ذلك، لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي ولا الأمم المتحدة ولا دول الإقليم لديها الرؤية أو الحماسة للبحث عن حل. 

لاعب واحد فقط بإمكانه أن يتخذ خطوات ثورية باتجاه حل المشكلة: الفلسطينيون. فعلى الرغم من التكلفة الجسيمة للاحتلال، فإن بإمكان التحول الديمقراطي في التمثيل السياسي الفلسطيني أن يعكر صفو المحور الذي يشكله ترامب ونتنياهو.

 

أما إذا كانت رؤيتهم قاصرة على اكتساب مزيد من النفوذ، فلن تكون الفصائل الفلسطينية قادرة على الخروج من مأزقها الحالي. 

لم يعد ثمة جدوى من السعي مجدداً نحو توحيد المجموعات الفلسطينية المتشرذمة. بل المطلوب بإلحاح من الفلسطينيين الآن هو السعي نحو تمثيل فلسطيني ذي معنى ونحو تحول ديمقراطي راديكالي.

 

وأولى الخطوات باتجاه كسر المقاربة الإسرائيلية تتمثل في إنشاء لغة سياسية فلسطينية جديدة، علماً بأن المقاربة الإسرائيلية تهدف إلى تعميق الاحتلال وقتل كل الآمال في تحقيق السلام. 

0
التعليقات (0)