كتاب عربي 21

قلق مهتم بالشأن الليبي

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

                                                           
مقارباتي في تناول الشأن الليبي، تحدثا أو كتابة، تدور حول أحد مسارين، الأول الاجتهاد في قراءة ما يقع قراءة تحليلية ومحاولة تناول ما هو خلف النص أو الحدث بجمع المتفرق من متعلقاته والبحث في الأسباب والدوافع، والوقوف على الإيحاءات والدلالات والخلوص للنتائج والتداعيات.

أما المسار الثاني فهو إبداء رأي في بعض ما أرى أنه يحتاج مني أن أعبر عن موقف بخصوصه، بمعنى استدعاء قيم أو اختيارات فكرية وإسقاطها على الواقعة أو إخضاع النص أو الموقف محل البحث لها. 

فيما يتعلق بالمسار الأول من الحديث والكتابة، وهو البحثي والتحليلي، وهو الغالب على حديث وكتاباتي بحكم تخصصي وطبيعة عملي، ليس القلق فيه حول موقف الآخر من تخطئة مقاربتي في البحث أو اجتهادي في التحليل خاصة إذا تم الركون إلى منهجية علمية في تقييم قراءتي التحليلية، لكن الإشكال عندي في جر التحليل إلى خانة الرأي، واعتبار النتيجة موقفا مسبقا!

فيما يتعلق بحديث ومقالات الرأي فإني في أغلب الأحايين أدندن حول ما أعتقد أنه أساسي لإعادة تشكيل الوعي العام بعد الاستلاب الذي وقع خلال عقود، وأركز بشكل مستمر على فوضى الأفكار والمواقف التي تهيمن على المشهد وعلاقة النخبة بهذه الفوضى، وهذه من الطبيعي أن تكون محل اعتراض باعتبارها تتعلق بقيم وميولات، وإن كنت ممن ينزع إلى القيم العامة التي تحتاجها التنمية وتتطلبها النهضة.

صارت الجيوش الإلكترونية طرفا فعالا، وأصبح لدينا قدرات خارقة في قلب المضمون لتسجيل نقاط سياسية وتحقيق مكاسب خاصة.


أقر أني أواجه صعوبة في نقل بعض ما أؤمن به أو أرى أنه الطريقة المثلى لقراءة المشهد الليبي في أبعاده المتعددة حتى في أوساط بعض من يقرأون لي بتجرد وبدون أحكام مسبقة أو تعسف في الذهاب بالمبنى إلى معنى غير مراد، وربما يعود ذلك إلى أسلوب كتابتي والقالب اللفظي الذي يحكمه.

وهذا يفسر إصراري على عرض الفكرة بوجه مختلف، وتناول الحدث أو القضية لأكثر من مرة حتى يتجلى المراد ويتحقق الهدف من تناوله. والقاعدة الذهبية التي أحاول أن أجعلها المنطلق في الحديث والكتابة محكومة بالأساس التالية:
-مراعاة التوازن والموضوعية حتى في حال الخلاف الشديد
-الاعتماد على الادلة المنطقية بعيدا عن الحجج المرتكزة على مصالح
-أن يكون القالب اللفظي (تحدثا أو كتابة) منضبطا وبعيدا عن التجريح والإسفاف واستخدام الألفاظ والكلمات التي تتضمن حكما كطاغية، ومجرم، وعلماني، وخوارج، ودواعش ...الخ
المشكلة هي في الوضع المعقد وبالتحديد تلوث المناخ السياسي والثقافي بشكل كبير وبطريق متعمد، والمظهر الغالب هو غلبة منطق الصراع والكيد على الحكمة والظن الحسن أو التجرد والموضوعية.

لقد صارت الجيوش الإلكترونية طرفا فعالا، وأصبح لدينا قدرات خارقة في قلب المضمون لتسجيل نقاط سياسية وتحقيق مكاسب خاصة.

أيضا دفع الصراع المتأجج بكثير من العقول إلى مستنقع الصحافة الصفراء، وزج بقطاعات عريضة إلى سياسة الضرب تحت الحزام والغاية الانتصار بأي طريقة حتى لو كان على حساب الحقيقة وأدى إلى تضييع القيم التي هي عماد البناء والتقدم!

من المهم التأكيد أن القلق هنا ليس لشخصي، فالمؤمن بمساره وأهميته وما يعنيه لذاته ولمن حوله لا يأبه كثيرا بردود الفعل التي خارج السياق والمشوبة بالعداء المستحكم الذي يجعل صاحبه يرفض الطرح دون سبر غوره وذلك للموقف المسبق.

القلق الأكبر عندي هو في تسميم الأجواء بالأسلوب الكيدي المشحون بالعداوة والمتضمن لقوالب لفظية حكمية قطعية مغرقة في الإسفاف والتي تضيع معها الموضوعية، فلا تجد لها مكانا في الخلاف السياسي أو الجدل الفكري والثقافي، فتصبح الساحة مع مرور الوقت جرداء خاوية، وإذا تصحرت الأجواء فكبر على الاستقرار أربعا وقل على الأمل في التنمية والنهوض السلام.

وأنهي بالقول بأن الخلاف واقع لا بد منه وقد يتطور إلى نزاع، والمطلوب رقي في إدارته من خلال تحكيم العقل وضبط توتر العواطف التي تنقل الخلاف إلى صراع مستحكم ونزاع مستديم يتغذى على الكره والحقد لينقل من فئة إلى أخرى وجيل إلى الذي يليه.

0
التعليقات (0)