ملفات وتقارير

قواعد جديدة لانتخابات لبنان ستبقي الحرس القديم في السلطة

 تتبادل معظم الحملات الانتخابية في البلاد الاتهامات بالفساد وإهدار المال العام ودفع الرشاوى- جيتي
تتبادل معظم الحملات الانتخابية في البلاد الاتهامات بالفساد وإهدار المال العام ودفع الرشاوى- جيتي

يحظى اللبنانيون في السادس من أيار/ مايو بأول فرصة لهم منذ تسع سنوات، للإدلاء بأصواتهم في انتخابات عامة، في ظل قواعد جديدة من المنتظر أن تدخل بعض التغييرات على البرلمان، ولكنها تحافظ في الوقت نفسه على الإطار العام لاتفاق تقاسم السلطة بين الكتل السياسية الرئيسية في البلاد.

 

غير أن سلاسة إجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة على نحو سريع ليسا مهمين فقط للاستقرار السياسي للبنان، وإنما لدعم اقتصاد ضعيف يحتاج إلى إصلاحات واستثمارات.


وعلى الرغم من أن اعتماد قانون جديد معقد يقوم على نظام التمثيل النسبي ولد حالة من الغموض في بعض المناطق، فمن المرجح إعادة تكليف رئيس الوزراء الحالي، سعد الحريري، بتشكيل حكومة وحدة وطنية أخرى تضم حزب الله الذي كان على خلاف معه.

الفائزون والخاسرون المحتملون


على الرغم من توقع بقاء الحريري كأكبر شخصية سنية في البرلمان، وأن يحافظ على منصبه، فإن العديد من التحليلات تتوقع أن تخسر كتلته البرلمانية عددا من المقاعد.


وقد يخرج حزب الله المدجج بالسلاح والمدعوم من إيران من الانتخابات أقوى، رغم أن هناك احتمالا ضعيفا بأن يحصل هو وحلفاؤه على أغلبية الثلثين المطلوبة للسيطرة على الدولة. وطالب الحريري بسرعة تشكيل حكومة جديدة للمضي قدما في الإصلاحات، لوضع المالية العامة على مسار تتوفر له مقومات الاستمرارية. ومن دون هذا الإصلاح قد لا يسلمه المانحون 11 مليار دولار من القروض الميسرة التي تعهدوا بها في أبريل/ نيسان للمساعدة في إنعاش الاقتصاد اللبناني.


ومن المرجح أن تنضم معظم الأحزاب التي تشارك في حكومة الحريري الآن إلى الحكومة الجديدة. لكن تلك التي ستفوز بالمزيد من المقاعد قد تطالب بحقائب وزارية أكثر أو بوزارات مهمة مثل المالية على سبيل المثال.

ما الذي تغير منذ الانتخابات الماضية؟


تعود آخر مرة صوت فيها اللبنانيون لانتخاب برلمان جديد إلى عام 2009، حيث احتشد حزب الله وحلفاؤه في تكتل (8 آذار) ضد الحريري وحلفائه في كتلة (14 آذار). في حينها دار صراع سياسي محموم بين الكتلتين بشأن ترسانة حزب الله الهائلة من الأسلحة.


وزاد اندلاع الحرب السورية عام 2011 من الانقسامات السياسية اللبنانية، كما أصاب البلاد بحالة من الشلل لسنوات. وازداد حزب الله قوة نتيجة مشاركته في الحرب السورية.


في هذه الأثناء، تفككت "قوى 14 آذار" تدريجيا، حيث وقفت عاجزة أمام القوة العسكرية لحزب الله، في حين حوّلت السعودية، بصفتها الداعم الرئيسي للحريري، تركيزها إلى مكان آخر.


وكان على الحريري الذي قضى سنوات في الخارج لأسباب أمنية أن يتوصل إلى تسوية. وفي عام 2016 أبرم صفقة جعلت حليف حزب الله العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، بينما أصبح الحريري رئيسا للوزراء.


وفي الواقع، تم تجميد الحديث عن مسألة سلاح حزب الله؛ لتحتل المخاوف بشأن الاقتصاد والتعامل مع حوالي مليون لاجئ سوري مكانه في صدارة المداولات السياسية.

كيف يعمل نظام لبنان الطائفي؟


يقسم لبنان السلطة بين الجماعات الدينية وفقا للحصص التي تم تعديلها في نهاية الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990. ووفقا لهذا التقسيم، فإن الرئيس هو دائما مسيحي ماروني، ورئيس الوزراء مسلم سني، ورئيس البرلمان مسلم شيعي.


وفي البرلمان، يتم تقسيم 128 مقعدا بالتساوي، إذ يذهب 64 مقعدا للمسيحيين، ومثلها للمسلمين بمن فيهم الدروز، على أن يتم تقسيم هذين النصفين بين ما إجماليه 11 طائفة.


وتخصص المقاعد في كل دائرة وفقا لتركيبتها السكانية. ففي دائرة البقاع الانتخابية الثالثة في شمال شرق لبنان، على سبيل المثال، يحصل السنة على مقعدين، والشيعة على ستة، ويحصل الموارنة والكاثوليك على مقعد واحد لكل منهما.


وتتخذ الأحزاب الرئيسية في لبنان طابعا طائفيا، لكن في وقت الانتخابات تدخل في تحالفات تكتيكية مع قوى علمانية ودينية أخرى؛ لتشكيل قوائم انتخابية مشتركة في كل دائرة.


وكان الخلاف بشأن القانون الجديد هو العامل الرئيسي وراء تأجيل الانتخابات البرلمانية ثلاث مرات منذ 2009.


وفي الماضي، كان بإمكان الناخبين الإدلاء بأصواتهم لكل المقاعد في دائرتهم الانتخابية وفقا للقانون الذي يحسم فيه النتيجة من يفوز بأغلبية بسيطة بخلاف القانون النسبي الجديد، الذي يسمح بمنح صوت تفضيلي واحد لكل مرشح على اللائحة، الأمر الذي أوجد تنافسا بين أعضاء اللائحة الواحدة على الصوت التفضيلي.


كيف يؤثر القانون الجديد في الواقع السياسي؟


كان المسيحيون على وجه الخصوص يعارضون النظام الانتخابي القديم؛ لأن تقسيم الدوائر أعطى الناخبين المسلمين الكلمة الفصل بشأن المرشحين المسيحيين الذين سيفوزون بمقاعد البرلمان.

كما أن المرشحين المستقلين لا يحبذونه؛ لأنه يعطي الغلبة للقوى السياسية الكبرى.


وطالب الجميع دون استثناء ببعض التغييرات في الدوائر الانتخابية، كما طالبت بعض القوى بشكل من أشكال التمثيل النسبي. وفي النهاية تم الاتفاق على القانون الجديد العام الماضي، لكن حلا وسطا يتطلب من الناخب أن يختار لائحة، ثم يمنح صوته التفضيلي لأحد المرشحين على اللائحة ذاتها. وبعد انتهاء الانتخابات يتم الفرز وتحدد الأسماء الفائزة بناء على صيغة معقدة.


ويقول بعض المنتقدين إن القانون الجديد صيغ بطريقة تكفل الحفاظ على حصص القوى السياسية التقليدية في البلاد. ومع ذلك، ما زال القانون الجديد غامضا بشأن الكيفية التي ستنفذ بها الانتخابات في بعض المناطق.


ومن غرائب القانون، أنه أنتج مجموعة من التحالفات غير المتجانسة، فقد تحالف التيار الوطني الحر الذي أنشأه الرئيس عون، وهو حزب ماروني، مع تيار المستقبل بقيادة الحريري في بعض المناطق، ومع حزب الله في مناطق أخرى. كما يدخل التيار الوطني الحر في مواجهة مع حزب الله في دائرتي جبيل-كسروان والجنوب الثانية، على سبيل المثال.


وفي بيروت، نجح المستقلون في تحقيق نتيجة جيدة بمواجهة المؤسسة السياسية الحاكمة في الانتخابات البلدية عام 2016، وقد يفوزون ببعض المقاعد. لكن نظام التصويت لا يزال يعمل ضدهم.

ماذا يحدث بعد الانتخابات؟


سيقوم الأعضاء الجدد بانتخاب رئيس جديد للبرلمان، حيث من المتوقع أن يبقى الزعيم الشيعي المتحالف مع حزب الله، نبيه بري، رئيسا لمجلس النواب. ثم يقوم النواب بزيارة الرئيس ميشال عون لتسمية مرشحهم لمنصب رئيس مجلس الوزراء، وهو ما يسمى الاستشارات النيابية الملزمة، حيث يقوم عون بموجبها بتكليف الشخصية التي تحظى بأكثرية أصوات النواب من أجل تشكيل الحكومة. ومن ثم تبدأ مرحلة مفاوضات صعبة على المناصب الوزارية.


علاوة على ذلك، قد يكون البرلمان المنتخب هذا العام هو الذي يختار خليفة الرئيس ميشال عون. وستنتهي مدة كليهما في عام 2022، لكن موعد الانتخابات البرلمانية في ذلك العام لم يتم تحديده بعد.


المال الانتخابي


تتبادل معظم الحملات الانتخابية في البلاد الاتهامات بالفساد، وإهدار المال العام، ودفع الرشاوى، واستخدام المرافق العامة لأغراض انتخابية، وهو ما يعد خرقا للقانون.


وفي رسالة وجهها إلى اللبنانيين، مساء الأربعاء، حث عون المواطنين على الانتخاب، ودعاهم إلى التحرر من "وسائل الضغط والإغراء التي تفسد الضمائر"، وإلى عدم الاقتراع "لمن يدفع ويسخى بالمكرمات.. لأن من يشتريكم يبيعكم، ومن يبيع المواطن ليس صعبا عليه أن يبيع الوطن".

اقرأ أيضا: إيكونوميست: هذا ما يحتاجه لبنان لإصلاح النظام السياسي

التعليقات (0)