كتاب عربي 21

المراهقون.. لا ينتظرون!!

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
أنجز عدد من الباحثين الشبان هذه الأيام دراسة اجتماعية عن أحد أحياء تونس التي توصف بـ"الصعبة". وتعود هذه الصعوبة إلى كونها منطقة شعبية تجمع بين عدد واسع من الفقراء إلى جانب شرائح من الطبقة الوسطى، وهي محاذية من جهة إلى منطقتي سيدي بوسعيد والمرسى، وهما تنتميان إلى البورجوازية التونسية القديمة، حيث كانت مقرات بايات العائلة الحسينية التي حكمت تونس لفترة طويلة قبل أن يلغي بورقيبة النظام الملكي ويسحب السلطة من تحت أقدامهم. كما أن منطقة الكرم الغربي موضوع الدراسة تقع على تخوم القصر الرئاسي، ولهذا كان من الأخبار السيئة التي أزعجت الجنرال ابن علي في يومه الأخير من الحكم؛ إبلاغه باحتمال أن يقوم شباب الكرم الغاضب بالهجوم على مقر إقامته بقصر قرطاج.

بعد ثورة 14 كانون الثاني/ يناير، شهدت هذه المنطقة النواة الأولى لما سمي بلجان حماية الثورة التي دخلت في خصومات حادة مع معظم مكونات الساحة السياسية لأسباب متعددة. كما عرفت هذه المنطقة أيضا بروز عدة ظواهر خطيرة، من بينها انتشار المخدرات استهلاكا وترويجا، كما تعتبر أحياؤها أيضا من بين المواقع الأكثر نشاطا في مجال الهجرة السرية. وأخيرا، انخرط جزء من شبابها في الحركة السلفية الجهادية التي أسسها أنصار الشريعة. وحصيلة كل ذلك أن هذه المنطقة، رغم دورها في الثورة وسقوط العديد من شبانها بين شهداء وجرحى، فإن صورتها لدى الرأي العام تتسم بالسلبية، حيث "ينظر إليها كوسط يولد العنف والتطرف". وهذا الأمر لا يقتصر على منطقة الكرم، وإنما نجد ذلك الموقف يشمل كل الأحياء الشعبية والمهمشة المنتشرة في معظم المدن التونسية.

تتناول الدراسة "حالة المراهقة في حي شعبي". وهي موجهة للتعرف على رأي هؤلاء اليافعين واليافعات الذين عاشوا السنوات الأولى للثورة. فعندما نزل الشباب الى الشوارع للاشتباك مع قوات الأمن ما بين 17 كانون الأول/ ديسمبر و 14 كانون الثاني/ يناير، كان أعمار هؤلاء تتراوح بين 4 و12 عاما. أي هم الجيل الأول ما بعد الثورة. وبدل أن يسألوا عن الوضع العام في كامل البلاد، فضل الباحثون أن يتعرفوا على مشاكلهم وتطلعاتهم، أيضا خيباتهم من خلال الحي الذي نموا فيه خلال السنوات الأخيرة. والتزم الباحثون بالاستماع كطريقة مهمة لفهم الآخرين، وهو ما حصل مع 460 شابا تتراوح أعمارهم بين 12 و18 سنة.

نادرا ما يقع التفكير في حاجيات شريحة اليافعين واليافعات من قبل السياسيين وصانعي السياسات. إذ تبدو لهم هذه الشريحة وكأنها خارج الحسابات أو المعادلات، وكأن الاهتمامات الكبرى تبدأ مع سن الثامنة عشرة، أما الذين دون ذلك فيجب أن يبقوا في حالة انتظار، في حين أن هؤلاء الذين لا يلتفت إليهم ويوكلون إلى أسرهم ومدارسهم وشوارع الحي؛ يمثلون نسبة قد تصل إلى 40 في المئة من السكان. وحتى عندما يُنتبه إليهم يتم التعامل معهم باعتبارهم قصرا، لا يؤخذ بآرائهم ولا يُستمع إليهم، وإنما يوجهون من أعلى، وتطبق عليهم القرارات تعسفا ودون إدراك بأنهم سيشكلون مواطني الغد، وهذا الغد ليس ببعيد. وفي حال ما تم التعامل معهم بقدر أدنى من الجدية والتفاعل مع أحلامهم ورغباتهم، فإن لهم القدرة على أن يتمردوا على عالم الكبار، وأن يهددوا حتى الأمن القومي من خلال الانفجارات الكبرى التي يمكن أن يكونوا وراءها بشكل فاعل وعنيف.

فترة المراهقة، وهو مصطلح يتجنب استعماله العديد من المربين لكونه يجمل في مضمونه موقفا سلبيا ويجعل من مئات الآلاف من هؤلاء وكأنهم حالات نفسية خطرة ومعقدة.. المهم أن هذه الفترة العمرية شديدة الحساسية، وغالبا ما ينسى المجتمع أنها أيضا فترة البحث عن القيم وفترة التمرد على القيم الموروثة من أجل كسر القيوم. وإذا لم يجدوا من يحاورهم وينصت إليهم، فإنهم سيتصرفون بمفردهم، وسيؤسسون نمطا خاصا بهم. إذ لاحظ الباحثون بأن الدين حاضر بقوة في أوساط هؤلاء، لكنه تديّن لافت للنظر. فالذين يبيعون المخدرات لا يقومون بذلك نهارا في شهر رمضان، لأنهم يعتبرون ذلك حراما، لكن بعد أن يتناولوا إفطارهم مع أسرهم، يغادرون بسرعة بيوتهم ليشرعوا في ترويج بضاعتهم التي تصبح في المسار حلالا لا غبار عليها. ورغم أن بعض أبناء الحي قد انخرطوا في تنظيمات عنيفة مثل أنصار الشريعة وداعش، ومنهم من أصبح قياديا في صفوفها ومات العديد منهم في العراق أو في سوريا وليبيا، إلا أن أغلبية شباب هذه المنطقة حافظوا على مسافة تبعدهم عن أجواء التطرف.

الخلاصة أن جزءا واسعا من الشباب التونسي يبحث عن ذاته، ويريد أن يبقى في وطنه، إلا أن الذين يقودون البلد مشغولون بصراعاتهم الأخرى السياسية والأيديولوجية والشخصية؛ اعتقادا منهم بأن هؤلاء "الصغار" يمكن أن ينتظروا قليلا، لكن بعد فترة من الزمن عندما يتفطن هؤلاء للجريمة التي ارتكبوها في حق هؤلاء.. عندها لن يجدوهم حيث تركوهم.. عندها يدركون بأن قضايا اليافعين لا تحتمل التأجيل أو التسويف.
التعليقات (0)