مقالات مختارة

قضية شائكة

عاصم منصور
1300x600
1300x600

أعادت قضية الطفل البريطاني، آلفي ايفانز، إلى الواجهة، إحدى أعقد قضايا أخلاقيات مهنة الطب، عندما يتعلق الأمر بالخلاف بين الأهل والأطباء فيما يتعلق بموضوع الحياة والموت، وما يتبعه من قضايا شائكة حول المصلحة العليا للطفل المريض، والولاية عليه واستقلالية القرار وعدالة توزيع الموارد المتاحة.
فهذا الطفل ابن العشرين شهرا، مصاب بمرض نادر أدى إلى تلف دائم في الدماغ، مما حدا بالأطباء إلى اتخاذ أحد أصعب القرارات برفع الأجهزة الداعمة للوظائف الحيوية عنه، القرار الذي اصطدم برغبة الأهل بالإبقاء على الأجهزة ونقل الطفل إلى أحد المستشفيات الإيطالية ذات العلاقة بالمؤسسة الدينية، التي تعارض رفع الأجهزة من منطلق ديني.
قام الأهل برفع الأمر إلى المحكمتين البريطانية والأوروبية؛ حيث أيدت كلتاهما قرار الأطباء، كما عمد الأهل إلى كسب تعاطف الرأي العام حيث تظاهر المئات من مواطني المدينة تضامنا مع قضيتهم في الولاية على ما يعتقدونه المصلحة العليا للطفل.
هذه القضية الشائكة التي تحكمها عوامل أخلاقية ودينية وطبية وقانونية ليست جديدة، فعندما تغلب العاطفة على تفكير الأهل، ويغلب المنطق على تفكير الأطباء والقضاة، يحصل تضارب المصالح بين حرية الفرد وملكيته لقرار حياته وموته، والمصلحة العليا للمجتمع، ويزداد الأمر تعقيدا عندما يتعلق الأمر بالأطفال الذين لا يملكون القدرة على اتخاذ مثل هذه القرارات.
فالواحد منا عندما يقرر طوعا أو كرها الانضمام إلى مجموعة، وأقصد بها هنا المجتمع والدولة، فإنه يتخلى بصورة تلقائية عن الكثير من حقوقه الأساسية لصالح المجموع الذي يقرر من خلال عقد اجتماعي متى تنتهي حرية الفرد لصالح المجموعة، من خلال ما يسمى عدالة توزيع المقدرات، التي توجه إلى الوجهة التي تخدم مصلحة المجموعة، ولو كان ذلك على حساب مصلحة الفرد.
أما القضية الأخرى، فمن الذي يقرر مصلحة الطفل؟ هل هم الأهل المحكومون بالعاطفة التي قد تخلط بين مصلحة الطفل ومصلحة العائلة، أم الأطباء الذين يتعاملون مع أرقام وإحصاءات، أم الدولة التي تسعى إلى الاستخدام العقلاني للموارد المتاحة؛ وما هي نوعية الحياة التي ستكون في مصلحة الطفل، هل هي مجرد دفقات دم وشهيق وزفير؟
المسألة، كما ذكرت، معقدة جدا، وتحكمها أبعاد دينية وأخلاقية وثقافية واقتصادية وغيرها، وككل القضايا الأخلاقية لن يكون هنالك إجماع، لكني أرى أن القرار يجب أن يكون بين يدي المؤسسة الطبية ضمن ضوابط أخلاقية وقانونية واضحة.

 

الغد الأردنية

0
التعليقات (0)