كتاب عربي 21

سد النهضة.. الأمور ليست على ما يرام!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
انفض مولد الانتخابات، فصار حريا بنا أن نعود إلى جدول الأعمال لنسأل عن آخر أخبار سد النهضة؟!

الظاهر من الأوراق أن مصر تجاوزت الأزمة، بعد الجلسة التي جمعت بين رئيس الحكومة الأثيوبي والرئيس السوداني مع قائد الانقلاب العسكري على هامش أعمال القمة الثلاثين للاتحاد الأفريقي في يناير/كانون الثاني، وخروج السيسي من الاجتماع مصطحباً الرئيس السوداني، وقد طمأن الصحفيين بأن الأمور على ما يرام، دون أن يذكر ما تم الاتفاق عليه في المباحثات المغلقة، أو يبدد المخاوف، فقد اكتفى بهذا الشكل، الذي استكمله باستقبال الرئيس السوداني في القاهرة، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم!

فالدعاية قامت على أن السودان يحارب مصر، بتحريض من أنقرة والدوحة، حتى تنفذ المخطط بتعطيش المصريين، وذلك بعد تصريحات وزير الري المتواترة بفشل المباحثات وأنه أرسل الملف للحكومة للتصرف، باعتبارها صاحبة الاختصاص الأصيل، وتم الإعلان بعد ذلك عن أن رئيس الحكومة الأثيوبي قرر الحضور للقاهرة وإلقاء بيان في البرلمان المصري ليطمئن المصريين، وقلنا إن الماء يكذب الغطاس، فلم يحضر مع أن الموعد تم تحديده إعلاميا.

الجنين في بطن أمه كان يعلم أن الإعلان المصري، لا أساس له من الصحة، فلو كان لدى أهل الحكم ما يطمئنوا به المصريين لأعلنوه للحكومة المصرية فلا يلجأ وزير الري إلى الإعلان عن فشل المفاوضات، فهل تعجل الوزير في ذلك، ولم ينتظر حتى يتم الانتهاء تماماً من بناء السد، عندئذ يقال له: "المكان الذي تضع فيه رأسك ضع فيه رجليك"، أو أعلى ما في خليك اركبه، كما هو مقرر ابتداء منذ أن وقع السيسي على اتفاقية المبادئ، التي بمقتضاها منحت مصر الموافقة كتابة على بناء السد بدون أية ضمانات؟!
لقد ذهب السيسي إلى أثيوبيا يتمطى، وعقد اجتماعاً مع رئيس الحكومة والرئيس عمر البشير، وعندما سألت مصادري ما الذي دار في هذا الاجتماع؟ قيل لي: لا شيء، فالثلاثي تكلم بعيداً عن الموضوع، ولم تبدو أثيوبيا مستعدة لتقديم تنازل واحد، بعيداً عن اتفاق المبادئ، باستدعاء البنك الدولي، أو بقبول ما انتهى إليه المكتب الاستشاري الفرنسي من ملاحظات على عملية بناء السد، إذ يتردد أن هناك مخالفات في عملية البناء تهدد بانهياره!

ولدى أهل الحكم هواجس من عملية الانهيار هذه، وإن كان جنرالاً عميقاً بشر المصريين بأن السد سينهار من تلقاء نفسه، فلا يدرك - لكونه جنرالاً - أنه إذا حدث هذا فسوف تغرق السودان، بجانب مساحات كبيرة من مصر، لأن السد العالي حينئذ سينهار، لنعود إلى زمن الفيضان قبل بناء هذا السد!

في أثيوبيا حرص عبد الفتاح السيسي أن يلتقي بالرئيس البشير، الذي كان غاضباً من حملة الإبادة الإعلامية ضده، فبعد حصول تركيا على جزيرة "سواكن" السودانية، تم تحريض الإعلام الموجه في مصر ليهين السودان تاريخا وحاضراً، حكومة وشعباً، إذ لدى قائد الانقلاب العسكري اعتقاد بأنه قادر بأذرعه الإعلامية أن يمارس الابتزاز، فيخضع له المبتز، لكن البشير لم يخضع بالقول ليطمع الذي في قلبه مرض!

في أديس أبابا وفي الزيارة الأخيرة، حاول السيسي أن يلتقي بالرئيس السوداني وبوساطة أثيوبية، لكنه اختلق الأسباب لعدم الالتقاء به، فالهجوم الذي تعرض له في وسائل الإعلام لم يكن توقف، والإهانات كانت جارحة!

بيد أن السيسي ذهب إلى مقر إقامة البشير، وكان اعتقاد الوسطاء الأثيوبيين أن الهدف من الحرص على اللقاء، هو ألا تسبب القطيعة في المزيد من هلع المصريين على المستقبل المائي لبلادهم، وقد تم تقديم البشير على أنه متآمر على مصر في موضوع سد النهضة، وكيف أن قطر وتركيا تمولان عملية بناء السد. ولم يكن الاعتقاد الأثيوبي صحيحاً.

كان ما يشغل السيسي هو إعادة التقارب مع البشير، الذي بدا أنه ذهب بعيداً، وقد مكن قطر وتركيا من الحضور على البحر الأحمر، وكوكيل عن السعوديين والإماراتيين بالبحث عن طريقة لوقف ذلك، ونجح في وقف هذا الوجود على حدود مصر مع غزة، مستغلاً محنة الشعب الفلسطيني هناك وقدرته على ممارسة المزيد من تجويعه من خلال تحكمه في معبر رفح، وكان منع الوجود القطري والتركي في غزة، أحد أسباب تبنيه للمصالحة الفلسطينية، بغض النظر عن ارتباك المشهد، بعد التدخل الأمريكي بعدم السماح بالوجود الإماراتي إلا في حدود ضيقة، ووقف خطة استبدال محمد دحلان بمحمود عباس، وهو الطلب الإسرائيلي الذي كان يعمل السيسي على إنجازه، وهذا التدخل أوقف كل شيء!

فلم يكن سد النهضة هو الموضوع، ولم يكن السد أزمة قائد الانقلاب العسكري في أي مرحلة، ومن قبل التقى السيسي مع الرئيس عمر البشير، وقال الإعلام المصري أن المباحثات ركزت على أزمة سد النهضة، في حين أنها دارت حول أسئلة طرحها قائد الانقلاب حول انفصال جنوب السودان، وأسباب هذا ودوافعه، ليذكرني بالنكتة القديمة، التي تقول إن "صحفيا بلدياتنا" التقى الرئيس مبارك فسأله عن مقتل السادات؟ وقال مبارك إن الأمر صار معروفاً بعد عشر سنوات من اغتيال الرئيس الراحل، فبينما كان موجوداً في العرض العسكري نزل خالد الاسلامبولي ورفاقه فقتلوا السادات؟ ليقول "بلدياتنا": أفهم من ذلك أن السادات مات مسموما؟!

لقد اشترط البشير عندما كان في أثيوبيا، لقبوله الجلوس مع السيسي عدداً من المطالب على رأسها وقف التطاول في وسائل الإعلام، وألا تعترض مصر على تدويل قضية حلايب وشلاتين!

وإذ جاء البشير للقاهرة، واعتبر السيسي أن هذا انتصار له، فلم يخل باتفاقياته بخصوص "سواكن" وإنما اكتفى بأن طمأن الجانب المصري، بأن الوجود التركي في "سواكن" لن يمثل مخاطر على جيران السودان، ولم يجد نفسه مضطراً لأبعد من هذا، لتظل قضية سد النهضة على حالها!

فالجانب الأثيوبي يمضي قدماً في عملية البناء، وقد انتهى من أكثر من 60 في المئة، فإنه الآن مستمر بدون تقديم أي ضمانات للجانب المصري، الذي لا يوجد لديه ما يقوله سوى أن الأمور على ما يرام، دون أن يملك ما يثبت به فؤاده، وقد أوقف زراعة الأرز لأنه يستخدم مياهاً كثيرة، وبشر بالإقدام على بناء محطات لتحلية مياه البحر ومعالجة مياه المجاري!

يوحي السيسي بأنه أنهى مشكلات السد في مباحثات مغلقة، وإذا كانت المصادر أكدت أنه لا جديد في هذه المباحثات، فان العلاقات الدولية تحكمها الاتفاقيات المكتوبة، وليست "كلمات الشرف"، وقد استقال رئيس الحكومة الأثيوبية، فمن هو الضامن لما يجري في الحجرات المغلقة؟!

المؤكد أنه لا وعود بأي شيء، رغم أن السيسي عاد إلى أهله يتمطى، غاية ما في الأمر أن الحكم العسكري أدخل على المصريين الغش والتدليس بالإعلان عن أن الأمور على ما يرام، حتى يفاجأ الشعب المصري بالانتهاء من بناء السد، وبدء التخزين، وهو قادر على استيعاب حصتي مصر والسودان ثم يقول هل من مزيد؟ عندئذ تكتمل المؤامرة بطلب وساطة إسرائيل، ليكون المقابل توصيل مياه النيل إليها.

فالأزمة لا تزال قائمة، وما يتردد هو الكذب البواح، فالأمور ليس على ما يرام.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل