مقالات مختارة

الضفة وغزة على حافة بركان

علي الصالح
1300x600
1300x600

الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة)، تغلي بل تقف على حافة بركان قد ينفجر في أي لحظة لتصل تداعياته ربما إلى خارج الحدود، وذلك في ظل غياب الأفق السياسي ومع قرارات دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة إليها في أيار/ مايو المقبل، وقطع المساعدات للسلطة الفلسطينية أو تخفيضها كما قرر الكونغرس الأمريكي أمس، وتقليص المساهمات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» إلى النصف وربما أقل. والأصعب من ذلك، الخذلان الكبير الذي يشعر به الفلسطينيون من كل الأطراف، لا سيما «الأشقاء» في الأنظمة العربية التي لا تكتفي برفع أيديها ونفضها عن القضية الفلسطينية، بل تريد أن تبيع القضية والتخلي عنها لحساباتها الخاصة بثمن بخس، وتمارس هذه الأنظمة أيضا دورا ضاغطا على القيادة الفلسطينية من أجل الحصول على مباركتها على إسقاط الحق والتخلي عن الطموحات الوطنية، مستخدمة كل الأساليب القذرة منها السياسية مثل تهديد الرئيس أبو مازن، بإيجاد البديل له الجاهز للتوقيع على صفقة البيع، والأساليب المالية باغراءات تصل إلى مليارات الدولارات ووعود ببناء قدس جديدة في بلدة أبو ديس، المطلة على المسجد الأقصى وقبة الصخرة مع ممر يوصلها بهما.


والحديث عن حالة الغليان ليس تقديرا مني أو تمنيات أو استنتاجا من أي جهة فلسطينية أو غيرها، بل مصدره جهات أمنية إسرائيلية تتابع عن كثب الأوضاع ساعة بساعة وتقيمها أولا بأول؛ بحثا عن وسائل إما لغرض ردعها أو لمنعها حيثما كان ممكنا. وجاء التقييم الأمني الإسرائيلي بعد عملية الدهس التي نفذها فلسطيني عند مفترق إحدى المستوطنات قرب جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، وقتل فيها ضابطا وجنديا وأصيب آخران، وقبيل عملية الطعن في البلدة القديمة من القدس المحتلة التي قتل فيها رجل أمن إسرائيلي.


وحسب هذا التقييم الأمني، فإن هناك مؤشرات لانتفاضة شعبية واسعة قد تنطلق شرارتها في أي لحظة. ويفيد تقييم المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن «التحريض» الفلسطيني في ظل غياب الأفق السياسي، (لاحظ كيف يقلبون الحقائق)، هو سبب حالة الغليان، وليس الاحتلال ولا الاضطهاد، وليس سرقة الأراضي وتسمين المستوطنات، وليس تهويد القدس وليس اعتداءات المستوطنين، هو من يقف وراء هذا الغليان. 


ويتوقع التقييم الأمني ألا تنتهي حالة الغليان بل ستزداد في الشهور المقبلة مما سيولد الانفجار. ووفق صحيفة «معاريف» الإسرائيلية فإنه رغم أن جهاز «الشاباك» يرى في ما جرى ويجري هو حالات فردية أو ما عرف بانتفاضة «الذئاب المنفردة»، لكن الدلائل تشير إلى أن هناك إمكانيات لاستمرار هذه العمليات وتوسعها. ووفقا للأجهزة الأمنية الأخرى، فإن هناك زيادة نسبتها 15% في عدد العمليات في الضفة وغزة؛ نتيحة غياب العملية السياسية الذي أدى إلى فقدان الأمل بالتغيير في أوساط الفلسطينيين.


بناء على ذلك، تتوقع المصادر الأمنية الإسرائيلية أن تزداد العمليات الفردية في الأشهر المقبلة خصوصا مع قرب احتفالات إسرائيل بعيد ميلادها السبعين، التي تتلقى فيها من إدارة ترامب هدية طالما حلمت بها؛ وهي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة بعد الاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال، ضاربة بعرض الحائط جميع المطالبات الفلسطينية، ومتحدية جميع الدعوات الدولية بعدم الإقدام على مثل هذه الخطوة، التي ستكون على حساب حقوق ومشاعر ومعاناة الفلسطينيين في مخيمات اللجوء، وعلى حساب نكبة متواصلة منذ سبعة عقود من الاحتلال الجائر. 


ويرى التقييم الأمني الإسرائيلي أيضا أن موجة جديدة من المواجهات على الصعيد الجماهيري، مقبلة لا محالة مما سيزيد الأوضاع الأمنية سخونة في ظل الجمود السياسي وانقطاع علاقات السلطة الفلسطينية سواء مع إسرائيل أو الولايات المتحدة.


وإذا كان الوضع كذلك في الضفة، فالحال أسوأ في قطاع غزة الذي يعاني منذا أكثر من 11 عاما حصارا احتلاليا وعربيا ظالما ومجحفا، وأقل ما يوصف به أنه لا أخلاقي ولا إنساني ويشكل انتهاكا لكل القوانين الدولية والإنسانية والبشرية، يحصل ذلك على مسمع ومرأى من دول «العالم الحر» والعواصم العربية دون أن تحرك ساكنا؛ فالأحوال المعيشية والاقتصادية والأمنية والسياسية تزداد سوءا يوما بعد يوم، مع غياب الأمل في تحقيق المصالحة بعد التفجير الذي طال موكب رئيس الوزراء رامي الحمد الله ومدير المخابرات ماجد فرج عند معبر بيت حانون شمال قطاع غزة في 12 آذار/مارس الحالي، والتراشق الإعلامي والشتائمي بين رام الله وغزة.


وها هو القطاع في سباق مع قوات الاحتلال، في التحضير لمسيرة العودة الكبرى التي يفترض أن تنطلق بمناسة يوم الأرض في الثلاثين من آذار/مارس الحالي نحو المناطق الحدودية، وتنتهي بإقامة مخيمات. في المقابل يستعد جيش الاحتلال لمواجهة ساعة الصفر، وبينما جرى تشكيل هيئة وطنية تنسيقية لمتابعة التحضيرات للمسيرة التي يصر القائمون عليها أنها ستكون مسيرة سلمية بكل المقاييس، يشارك فيها الغزيون من جميع الفئات العمرية والاجتماعية، يتخذ جيش الاحتلال إجراءات على الحدود تعكس مدى قلقه من هذه المسيرة، ومخاوفه من أن تكون محاولة لاختراق الحدود بأعداد ضخمة تفلت زمام الأمور من بين يديه.


وترمي الهيئة الوطنية من «مسيرة العودة الكبرى» إلى «توجيه رسائل قوية» للمجتمع الدولي ولمحاصِري قطاع غزة، أن الكيل قد طفح ولم يعد ممكنا القبول بالأمر الواقع والحصار الجائر، والأهم من ذلك تأكيد تمسك الفلسطيني بـ«حق العودة». 


في المقابل، ستتبع سلطات الاحتلال التي تعيش حالة من القلق والترقب، لما يمكن أن تصل إليه الأمور، سياسة الجزرة والعصا؛ فقد كشفت عن خطة لتخفيف القيود والسماح بتسهيلات إنسانية واقتصادية للقطاع. ولكنها في المقابل لا تدع شيئا للتأويلات أو الاحتمالات، وبدأت تحريضها على مسيرة العودة مبكرا؛ في محاولة لتخويف المتظاهرين ومنعهم من الاقتراب من السياج الفاصل.


وفي سياق التحضيرات لمواجهة المسيرة، فإن قوات الاحتلال طورت طائرة من دون طيار مهمتها قمع المسيرات التي من المنتظر أن يشارك فيها عشرات الآلاف من الفلسطينيين عند الشريط الحدودي، بإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع من الجو. وتستطيع هذه الطائرة إلقاء 6 قنابل دفعة واحدة أو انفرادية. ويجري العمل لزيادة طاقتها إلى12 قنبلة، لمنع اقتراب المتظاهرين من السياج الفاصل، وتجنب الالتحام مع الفلسطينيين خلال المواجهات. وما يقلق جيش الاحتلال أكثر من غيره، هو إقامة مخيمات على طول الحدود لإيواء آلاف المتظاهرين،


وما يعكس هذا القلق قرار قيادة الجيش إلغاء الإجازات بالمطلق، وكشف النقاب أيضا عن أن القيادة الجنوبية، تستعد للتعامل مع المخيمات بسياسة التدرج، تحذير المتظاهرين عير مكبرات الصوت من الاقتراب، ثم إطلاق رصاص تحذيري، واستخدام قنابل الدخان، وبعد ذلك سيتم استخدام وسائل أخرى لتفريق المتظاهرين، ثم سيتم إطلاق النار.


وأخيرا، أمام صمود الشعب الفلسطيني، وتمسكه بثوابته، وبحقوقه المشروعة التي أقرها العالم أجمع، ستفشل قرارات ترامب الأخيرة والإجراءات الإسرائيلية في مدينة القدس في النيل من عزيمة هذا الشعب الصامد، الذي أثبت للعالم أن ما يقوله وما يريده هو ما سيتحقق، سواء على الأرض، أو على المستوى السياسي، وما جرى في الأقصى وكنيسة القيامة خير دليل على ذلك.


واختم بالقول، إن المعركة مع العدو وأذنابه وزبانيته هي معركة إرادة، وأثبت الشعب الفلسطيني بالدليل القاطع أن إرادته فولاذية غير قابلة للانكسار، وهو يقود معركته مع الاحتلال بإبداعات لم يسبقه إليها شعب؛ بدأها بالحجارة وطورها إلى السكاكين، فعمليات الدهس والمقبل أعظم. هذا الشعب لن يقبل يوما بغير فلسطين وطنا وبغير القدس عاصمة لدولة فلسطين، رغم اعتراف قائدة «العالم الحر» بها عاصمة لإسرائيل، ورغم نقل سفارتها إليها، ورغم تآمر أنظمة عربية عليه، وهذا ليس بجديد.

 

القدس العربي

0
التعليقات (0)