مقالات مختارة

بلاد الشام تبتلع أحلام ترامب

صالح عوض
1300x600
1300x600

لن يفيد ترامب كل ما أجراه من تغييرات في قيادات أجهزته وإدارته وإتيانه بطاقم متعجرف يجاهر بعدائه ضد الإسلام ومتورط في جرائم ضد الإنسانية.. فالمعركة تُحسم على الأرض وفي الأرض ينغرس أبناؤها فهم يعطونها شكلها وطبيعتها كما هي تعطيهم البركة ومبررات الصمود والمرابطة..

في بلاد الشام تجري الملحمة الكبرى؛ فمنذ انطلق تنفيذ غرس الكيان الصهيوني في أرض فلسطين حيث الأرض المباركة وبوابة السماء والأرض الاستثناء عنوان حضارتنا الإسلامية في جمعها للبعد الإنساني مهد الرسل والأنبياء وشرائع السماء.. منذ تلك اللحظات كانت المؤامرة تقتضي تدمير محيط فلسطين وإنهاء بلاد الشام التي تم تقسيمها على أربع دول وتقع بين فكي الكماشة: الكيان الصهيوني من الجنوب والنظام الأتاتوركي عضو الحلف الأطلسي من الشمال، وخنجر النظام الطائفي في لبنان المشتت على ولاءات خارجية تمعن في تمزيقه، وتحويل الجغرافيا لتبتلع أهلها في محاولة لإيجاد وطن بديل شرق نهر الأردن لأهل فلسطين.

مئة عام والتنفيذ على قدم وساق لتكريس ضياع المنطقة وإدخالها إلى إعادة تشكيل يكون للكيان الصهيوني فيه اليد الطولى المشرفة والموجهة، ويكون المشروع الاستعماري قد بلغ مرحلة جني ثماره الشريرة فأطلق مشروعه المرحلة الجديدة من مشروعه تحت عنوان "الفوضى الخلاقة".. بعد أن أدخل العديد من أطراف المنطقة في اتفاقيات هدنة أو مصالحة أو دوامة تفاوضات.. ظن الأمريكان وهم شركاء مؤسسون في صناعة المشروع الصهيوني ووارثوه الحصريون أن المرحلة التاريخية قد نضجت تماما للضربات المشتتة للمتبقي من بلاد الشام.

فعلت الإدارة الأمريكية كل ما تستطيع للعصف ببلاد الشام وحركت كل أدواتها في المنطقة وجندت كل وسائل الإعلام والدول والمرتزقة للإجهاز نهائيا على قلب العرب والإسلام.. وفي اللحظة التي ظنها الأمريكان قد وافتهم تم تهيئة الرأي العام لاستقبال "صفقة القرن" وهو صيغة نهائية معززة بالخرائط لعدد الدول في المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية واقعيا وسياسيا.

إلا أن اللحظة الفارقة الخطيرة التي أربكت الإدارة الأمريكية وجعلت كل ما فعلت إنما هو هباء منثور هي تلك التي أبرزت معطيات لم تكن بالبال كان صمود الشعب الفلسطيني ورفضه المطلق لصفقة القرن وصُدم الأمريكان بقوة الرفض الفلسطيني الذي أربك الأنظمة الصديقة للأمريكان وأفقدها القدرة على الإعلان عن تنازلها عن القدس.. كما فشلت أدوات الأمريكان في تقسيم سورية وتفتيت شعبها على أعراق وجهات وطوائف.. وقد عادت الجغرافية السورية إلى التئامها وهي الجزء الأكبر من بلاد الشام الذي طالما كان حضنا لأطرافه ومنبع قوة لهم..

لقد أسقِط في يد صانع القرار الغربي والأمريكي بالذات فهو لم ينسحب فقط من مهمة الإعلان عن الصفقة بل إنه يتحسب لقوى الصمود والمرابطة في بلاد الشام والقلب منها فلسطين أن تكون قد تحررت من وهم الاقتناع بالسير في لعبة التسوية السياسية والاندفاع إلى تطوير أدواتها واستراتيجيتها في مقاومةٍ تهدد المصالح الأمريكية لاسيما في ظل ظهور أقطاب دولية "روسيا والصين" من مصلحتها أن تتحسس التناقضات الجوهرية مع الأمريكان..

بلاد الشام تبتلع أحلام ترامب وتعصف بخطة استراتيجية انكبّ على إنجازها كبار المفكرين والساسة والاقتصاديين في أمريكا.. ولن تكون المرحلة القادمة إلا عكس توجهات الإدارة الأمريكية نحو مزيد من الصمود والمرابطة وتعزيز أواصر المنطقة في مواجهة التغول الاستعماري.. وتلك الأيام نداولها بين الناس.

الشروق الجزائرية

1
التعليقات (1)
اينشتاين
الثلاثاء، 20-03-2018 05:48 م
إذا كان الفعل الأمريكي خصوصا والغربي عموما هو وليد استراتيجية انكب على ضبطها كبار مفكريهم وخبرائهم ، فما هي استراتيجية أهل الشام ، خطابك الإنشائي لا يعبر سوى عن درجة العجز الفكري الذي نعانيه ، ما هو موضوعك تحديدا من باب منظور فكري استراتيجي على خط المقابلة بين مشروع صفقة القرن الذي ترفعه إسرائيل مدعومة بالغرب الليبرالي الراسمالي، ومشروع ثورة القرن الذي أخذت تلوح معالمه ؟ هلا بحثنا عن أنفسنا في سؤال النهضة وسؤال التحرر على طريق التفوق الحضاري ، أم أننا نحتاج لقرن إضافي انتظارا على قارعة الطريق .

خبر عاجل