مقالات مختارة

روسيا وأمريكا.. محدودية المناورة وتقارب خطوط التماس

1300x600
1300x600

المواجهات في سوريا أضعفت قدرة القوى الدولية على رأسها أمريكا وروسيا على المناورة السياسية العسكرية؛ إذ وضعت المنطقة على حافة حرب إقليمية؛ فالمعارك تنخرط فيها قوى محلية وإقليمية ودولية وبنشاط كبير، بدءا بشمال سوريا في عفرين وإدلب وليس انتهاء بدير الزور والغوطة جنوبا.


فإيران والنظام السوري انخرطا مؤخرا في مواجهة عسكرية مع الكيان الإسرائيلي لم تكن روسيا وأمريكا غائبة عنها؛ إذ تزامنت مع هجمات أمريكية على قوات النظام تسببت في مقتل العديد من الجنود التابعين للنظام والمتعاقدين العسكريين الروس؛ فالهجمات الأمريكية تعبر عن صرار أمريكي للحفاظ على مناطق نفوذها والدفاع عن مشروعها الانعزالي الانفصالي شمال سوريا.


تركيا من ناحيتها تخوض معارك جدية في عفرين وتعزز حضورها العسكري بالقرب من منبج، مهددة بصدام مع القوات الأمريكية تارة وقوات النظام السوري تارة أخرى، مظهرة إصرارا في الدفاع عن مصالحها، ورفضا قاطعا لأي مشروع انعزالي انفصالي، مهددة بذلك علاقاتها بالفيدرالية الأمريكية ومستفيدة من المأزق الأمريكي المتفاقم في سوريا، والنزعة الصدامية الأمريكية الإسرائيلية مع روسيا والنظام السوري وإيران لإجراء مساومات جريئة.


روسيا تشن بدورها هجمات جوية وحشية في الغوطة وإدلب لتزيد من حدة الاحتقان وتفتح الباب لمزيد من التصعيد، مظهرة إصرارا كبيرا لتمرير صيغتها في سوتشي لإخضاع قوى المعارضة السورية، إلا أنها من ناحية أخرى تضع بذلك عائقا كبيرا أمام مشروعها السياسي باستفزاز القوى المحلية السورية بشكل يهدد بتحول صراعها في سوريا إلى حرب استنزاف، ومأزق كبير لا يختلف عن المأزق الأمريكي الآخذ في التشكل، رافعا من أهمية الشريك الإيراني، ومعززا من أهمية التفاهم والتعاون مع تركيا.


في خضم حالة الاستنزاف المتبادل، تبرز الولايات المتحدة وروسيا كأطراف منخرطة وبشكل مباشر في المواجهات تتقارب خطوط التماس والمواجهة بينها تارة وتتباعد تارة أخرى، مضعفة بذلك القدرة على المناورة العسكرية والسياسية للدولتين؛ فالمأزق الأمريكي الروسي يزداد تعمقا على وقع المعارك، وتعدد الأطراف المحلية والإقليمية المنخرطة في الصراع والأهم المشاريع المتصارعة، والنزعة الأمريكية المتهورة التي لم تتوقف دولة الكيان أو المسؤولين الأمريكان عن التعبير عنها، كان آخرها قول مكامستر مستشار الأمن القومي الأمريكي أمس، بأنه «حان الوقت للتصرف مع إيران»، منذرا بإمكانية توسع المواجهة لتمتد إلى لبنان والعراق.


تزداد الأمور تعقيدا في ظل التصعيد وانعدام الثقة والتوتر المتراكم بين الفيدرالية الروسية والفيدرالية الأمريكية؛ فالمواجهة لا تقتصر على الساحة السورية إنما في العديد من المواقع وعلى رأسها كوريا الشمالية وآسيا الوسطى، كما تتعدد الملفات التي من أبرزها ملف الاتهامات الأمريكية بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، الذي يتفاعل بشكل يومي في أمريكا، واضعا مزيدا من المعيقات أمام إيجاد تفاهمات روسية أمريكية في مناطق الصراع، وعلى رأسها سوريا منذرا بمزيد من التصعيد ليس في سوريا فقط بل في إقليم غرب آسيا بأكمله؛ فالدولتان تتربصان ببعضهما وكل طرف يسعى لإغراق الآخر في حروب طويلة وعملية استنزاف مدمرة.


الصورة الكلية للأزمة السورية ولتفاعلاتها الإقليمية والدولية، تفتح الباب واسعا لتحولات مهمة في التحالفات، وتعطي ميزة إضافية للقوى الإقليمية، بل والمحلية السورية التي تسعى إلى تعظيم مكاسبها، وتحسين تموضعها السياسي في الأزمة السورية والإقليم، وفي الوقت ذاته تضعف قدرة القوى الدولية أمريكا وروسيا على المناورة وترفع من كلف انخراطها في الصراع السوري والإقليمي؛ إذ يصعب عزل الأطراف الإقليمية ومحاصرتها أو تجاهل أدوارها؛ حقيقة تعني أن تراجع قدرة روسيا وأمريكا على الحسم أو فرض تصوراتها دون الاعتماد على القوى الإقليمية وعلى رأسها إيران وتركيا؛ فالاعتقاد بقدرة أمريكا أو روسيا على الحسم في الإقليم، باتت مسألة من الماضي وبشكل خاص بالنسبة للولايات المتحدة؛ فالمعركة بين روسيا وأمريكيا أصبحت معركة عض أصابع، لا تجرؤان على الانسحاب منها.

 

السبيل الأردنية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل