مقالات مختارة

هذا الغموض والارتباك الذي يخيم على مصر!

جمال سلطان
1300x600
1300x600

ارتباك واسع وغموض أوسع ارتبطا بالجريمة التي شهدتها الواحات أول أمس، وراح ضحيتها ستة عشر ضابطا وجنديا حسب رواية وزارة الداخلية، على يد مجموعة إرهابية غير معروف انتماؤها حتى الآن، وكل ما نقرأه عنها مجرد ظنون وتخمينات، لا أحد قدم تفسيرا مقنعا لسبب امتناع الجهات الرسمية عن تقديم أي معلومات أو بيانات للرأي العام طوال أربع وعشرين ساعة تقريبا، في الوقت الذي كانت وكالات الأنباء العالمية ومواقع الأخبار تتلهف لأي معلومة، ونشرت على مسؤولية مصادر أمنية أرقام مفزعة وخطيرة، وما زال الناس ـ بسبب ذلك ـ يميلون إلى تصديق ما نشرته تلك المواقع والوكالات العالمية أكثر من تصديقهم للرواية الرسمية، والأغرب من كل ذلك أن رئيس الجمهورية نفسه التزم الصمت حتى الآن، وانشغل أمس بحضور احتفالية معركة العلمين، وكأن شيئا لم يكن، وكأن الفاجعة التي جرت في الواحات والدم الذي سال، في بلد آخر ولجنود دولة أخرى، وليسوا جنوده!

والحقيقة أن امتناع الرئيس عن أي كلام أو تعليق يطمئن الرأي العام أو يوضح جهود الدولة ومسؤولياتها، حتى ولو تقديم تعزيته كرئيس الجمهورية لأسر الضحايا، فضلا عن استقبال ذويهم والتخفيف من وقع المأساة على نفوسهم، هو أمر يصعب تفسيره أو تبريره، لا بد أن يخرج رئيس الجمهورية من وراء ستار مكتبه لكي يواجه الناس ويخاطب الناس، ويدافع عن سياساته ويوضح أسباب تلك الكارثة بل الكوارث التي أصبحت متلاحقة، كما أن الدولة بكاملها يبدو أنها في حالة من البرود السياسي والوطني غير المعهود، لدرجة أن دولة شقيقة مثل الأردن تقرر إعلان الحداد على ضحايا الإرهاب في الواحات المصرية، بينما الدولة المصرية، التي يحمل الضحايا جنسيتها وقاتلوا من أجلها، لم تحرك ساكنا ولم تبد أي رغبة في أي درجة من درجات الحداد، هذا أمر يصل إلى حد اللغز، ما الذي يجري في مصر؟

في أي دولة، بما أن هي دولة، هناك ما يعرف بالمسؤولية السياسية، هناك صلاحيات أسطورية حصل عليها رئيس الجمهورية خلال السنوات الماضية، ومن الطبيعي أن يطرح نفسه السؤال عما فعله بها، الدولة لم تبخل بشيء، رغم فقرها وأنفقت الكثير لتحديث قدرات المؤسسة الأمنية، وترسانة من القوانين الرادعة والمقيدة حتى لحركة المجتمع وقواها السياسية، بما في ذلك فرض حالة الطوارئ، وسيطرة شبه مطلقة على الإعلام الرسمي وغير الرسمي وشل قدرات أي حزب سياسي أو مؤسسة مدنية عن أي دور بجوار سلطات ونفوذ رئيس الجمهورية، وبرلمان يصدق على كل شيء يطلبه بلا أي تردد أو تأخير، ومع ذلك تبخرت كل التصريحات والوعود والالتزامات التي قدمها عن إنهاء الإرهاب وسحقه، وأن الأمور هادئة وتحت السيطرة تماما، ثم نفاجأ بأن الإرهاب يتصاعد ويتزايد ويزداد توحشا ودموية، والضحايا تزيد من المدنيين والعسكريين والشرطة، فمن البديهي أن يكون هناك سؤال بمقتضى المسؤولية السياسية عن هذا الفشل الصريح، الذي ليس له أي وصف آخر سوى الفشل.

بعض ما جرى في الإعلام الرسمي والإعلام الموالي لأجهزة سيادية معروفة أيضا، كان خارج أي منطق أو تفسير، هناك إعلاميون نشروا معلومات بالغة الخطورة عن مجريات العملية التي جرت والضحايا واختطاف ضباط رهائن، كما نشر آخرون أشرطة تسجيل تحوي شهادات أو اتصالات تخص أسرار العملية، وفيها إهانة بالغة للضباط والجنود وللداخلية نفسها، هذا مستحيل أن يحدث من تلقاء اختيار هذا الإعلامي، مستحيل، وبالتالي، كان من الطبيعي أن يسأل الناس: من الذي سرب له هذا التسجيل الخطير، ومن الذي شجعه على إذاعته ولماذا أذاعه، وما هي الحسابات السياسية أو الأمنية التي على أثرها قرر إذاعته، ثم ما جرى بعد ذلك من تضارب بين الجهات التي تملك ولاية على الإعلام، إذ قرر حمدي الكنيسي ونقابة الإعلاميين وقف أحمد موسى عن العمل لحين انتهاء التحقيق معه، فانبرى له مكرم محمد أحمد رئيس الهيئة العليا للإعلام، وقال إنه ليس من حقه وقفه عن العمل، وتحول الموقف برمته إلى ما يسميه العامة: مولد وصاحبه غايب.

الدولة بكاملها خسرت في موقعة الواحات، خسرت بمؤسساتها السياسية ومؤسساتها الأمنية ومؤسساتها الإعلامية أيضا، وجعلت علامات الاستفهام تتزايد في الخارج عما يجري في مصر ومؤشراته، كما أن الإعلام الخارجي، سواء التابع للإخوان أو الممثل لقنوات وإذاعات دولية عربية وأجنبية، نجح في فرض حضوره وجذب أسماع ومتابعة الملايين من المصريين؛ لأنه كان يمتلك القدرة على المبادرة والنشر والتحليل والمتابعة، بينما إعلامنا المحلي، الرسمي وحتى المستقل، كان ينتظر التعليمات؛ لأنهم عودوه على ذلك وأرعبوه وأظهروا له العين الحمراء، فهو إعلام ينتظر من يقول له: قل ولا تقل، والإعلام عندما تصل به إلى هذا المستوى، تكون قد حكمت عليه بالموت، ومن الطبيعي أن يبحث الناس عن منابر أخرى وقنوات أخرى ومواقع أخرى، وهذا ما حدث.

المصريون المصرية
0
التعليقات (0)