مقالات مختارة

"إسرائيل" وغزو الفضاء والأمن القومي العربي

علي بدوان
1300x600
1300x600
يُحاط الحديث عن برامج الفضاء في "إسرائيل" بالسرّية التامة، فمشاريعها في الفضاء لها خلفياتها، وأبعادها، وامتداداتها، وأركانها، وتضعها في موقعها ضمن السياق الفضائي الدولي، حيث إن هناك نظرة استراتيجية "إسرائيلية" للفضاء، وتمتلك "إسرائيل" هواجس هائلة تقف وراء حراكها المحموم لتسجيل تقدم يوسع وجودها في النادي الفضائي الدولي محدود الأعضاء.

وبالطبع، هناك إشكاليات تقنية وجغرافية وبشرية في العمل الفضائي، وهناك مراقبة دقيقة للمشروع الفضائي "الإسرائيلي"، حيث تسعى "إسرائيل" للانتقال والمزاوجة بالخدمات الفضائية من السياق العسكري إلى المدني.

إن "إسرائيل" كانت، ومازالت، ترى أهمية الفضاء في ضوء الوضع الاستراتيجي الجديد، كما في الحاجة الاستراتيجية إلى أقمار اتصالات خاصة بها. وترى أهمية الأبعاد الاستراتيجية لوجود شركة أو شركات تجارية "إسرائيلية" تمتلك أقمارا اصطناعية "إسرائيلية". كما في بناء برنامج لمواجهة صواريخ إطلاق الأقمار الاصطناعية الإيراني.

ومن جانب أخر، هناك بُعد معنوي لأنشطة "إسرائيل "المتنوعة في الفضاء، والمقصود ذلك البعد الذي عادة ما يؤطر الدول التي لديها أنشطة مُتشعبة في الفضاء في عداد "الدول المتقدمة". بل يرى أصحاب القرار في "إسرائيل" "أن أية دولة ليس لها الآن تواجد في الفضاء لا مستقبل لها … تماما مثلما أن الدول التي لم تَكُن تمتلك قبل عدة عقود حضورا في الجو بواسطة أسلحة جو عصرية، لم تكن تُعتبر في عِداد الدول الناهضة". لكن يبقى الأهم وهو ما لهذه الأنشطة من أبعاد عسكرية واستراتيجية، وهي الأبعاد نفسها التي تُحِدَها "القيود الأمنية"، بحيث يُمكن الجزم أن المسكوت عنه هو الشيء الجوهري الذي لا تتطرق إليه التسريبات "الإسرائيلية" عن برامج "إسرائيل" في الفضاء.

وفي شأن الأبعاد العسكرية، على وجه التحديد، يقول الجنرال في الاحتياط إيتان بن الياهو، قائد سلاح الجو "الإسرائيلي" الأسبق، حول أهمية الفضاء في ضوء ما يسميه بـ "الوضع الاستراتيجي الجديد" من ناحية "إسرائيل"، حيث يُشدّد على "أنه في ظل هذا الوضع لم يَعُد استخدام الفضاء لأغراض عسكرية شأنا مُستقبليا، بل إنه يحدث الآن". مضيفا أنه "قبل عدة سنوات غيّر سلاح الجو الأميركي اسمه ليصبح سلاح الجو والفضاء، وفي العام 1999 حذا حذوه سلاح الجو الإسرائيلي". وهذه التسمية الجديدة تُشير "إلى فهم تم بموجبه، من ناحية سلاح الجو "الإسرائيلي"، دمج بُعدي الجو والفضاء في بُعد واحد".

ولعل أكثر ما يَسِمُ هذا "الوضع الجديد"، وفق الجنرال ايتان بن الياهو أنه "تم نصب بطاريات صواريخ باليستية في أنحاء متفرقة من الشرق الأوسط وُجِّهَت صوب إسرائيل"، وقد نُشرت قواعد الصواريخ في دول مختلفة، وفي مناطق ومسافات تبعد لغاية 2000 وحتى 2500 كيلومتر عن وسط إسرائيل. أي أن مصدر التهديد لم يعد يتركز فقط على امتداد المحيط، وإنما يمكن أن يطاول من أي اتجاه، وبإنذار قصير. وفي ظل هذه الظروف الجديدة أصبح الزمن، الذي يَمُرُ من لحظة اتخاذ القرار وحتى ضرب إسرائيل، قصيرا".

وعلاوة على ما تقدم، يضيف الجنرال ايتان بن الياهو "إن الحرب يمكن أن تدور على عدة جبهات متباعدة فيما بينها. ونظرا لعدم وجود إمكانية لتوزيع كمية الوسائل المحدودة على كل الجبهات، فإن من الضروري التمركز أو التواجد في الفضاء بغية مراقبة كل الجبهات في آن واحد. والخلاصة التي يتوصل إليها هي أنه يتعيّن على إسرائيل توفير المتطلبات الحيوية لساحة المعركة ولأمن الدولة بما يتماشى ويواكب الظروف الجديدة في ميدان القتال، والعمل فقط من بعد ذلك على خدمة الاحتياجات العملية والتجارية". ويضيف قوله "زد على هذا أن تواجد إسرائيل في الفضاء سيسهم من ناحيتها "في تعزيز قدرة الردع تجاه أعدائها، وسيخدم الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن في أوقات الحرب والسلام، وسيضع إسرائيل في ركاب الدول المتطورة".

تندمج مقولات الجنرال ايتان بن إلياهو تخصيصا مع المقاربة التي قدمها عوزي روبين، المدير السابق لمشروع صاروخ "حيتس"(سهم) المضاد للصواريخ في وزارة الحرب "الإسرائيلية"، واهتمام روبين مُنصَبّ، بصورة رئيسية، على الصواريخ الإيرانية. حيث يرى أنّ "إسرائيل" تقف، حيال مشروع الفضاء الإيراني، في مواجهة خطرين اثنين: الأول هو الخطر المباشر، الناجم عن قدرة الجمع الاستخباري التي ستمتلكها إيران، إذ أن قمرا اصطناعيا إيرانيا يَمُّرُ فوق فلسطين المحتلة، ويستطيع أن يصوّر بحرية وبدقة ووضوح جيدين. 

والنتيجة المطلوبة من وجهة نظر عوزي روبين هي "أنه إذا توافرت لإيران بالفعل قدرة جمع استخبارية فضائية فإنه سيتعين على إسرائيل أن تستعد لذلك من ناحية عسكرية". أمّا الخطر الثاني فإنه يتمثل في تهديد الصواريخ الإيرانية للولايات المتحدة. فامتلاك إيران قدرة ردع تجاه الولايات المتحدة لا يُشكّل برأيه تطورا إيجابيا من ناحية "إسرائيل". وانطلاقا من ذلك يتوقع عوزي روبين أن تشهد علاقات "إسرائيل" تغييرا في التعاون مع الولايات المتحدة بالذات في موضوع الحماية من الصواريخ. "فالتعاون القائم اليوم والذي هو في اتجاه واحد، وبموجبه فإنّ الولايات المتحدة هي المعنية بأن تكون لإسرائيل حماية من الصواريخ، سيتحوّل إلى تعاون في الاتجاهين، بمعنى أن إسرائيل ستكون معنية أيضا بتوفر حماية للولايات المتحدة من الصواريخ".

إن "إسرائيل" التي تملأ سمع العالم وبصره في الحديث عن السلام والتباكي عليه، هي التي تعدّ ليس للحرب السابعة وما بعدها، بل لحروب أكبر من تصورات العسكريين العرب.. ليس هذا بالأمر المفاجئ ولا الغريب، فقد سبق أن نفذت "إسرائيل" برامج لها علاقة بالاتصالات. وهناك الآن في الفضاء أكثر من قمر صناعي "إسرائيلي" يطوف ويدور راصدا ومصورا وموثقا، ومتجسسا حتى على المكالمات العاطفية. فغزو "إسرائيل" للفضاء لأغراض عسكرية يدلل على المستوى المتقدم لديها في ارتياد آفاقا واسعة تجعلها رائدة على مستوى الدول الكبرى في امتلاك الأسلحة الاستراتيجية وسياقها وظروفها وشروطها اللازمة للحماية والهجوم، كأن دولة "إسرائيل" رغم تحالفها الوثيق جدا مع الولايات المتحدة والغرب لا تؤمّن لأحد، وتود دوما الاعتماد على نفسها. فكما انضمت "إسرائيل" مبكّرا لنادي الدول النووية، وها هي تنضم الآن أيضا للنادي الفضائي الدولي "محدود الأعضاء". ألم يحدث ذلك من قبل حين سمحت الولايات المتحدة لـ "إسرائيل" بالاشتراك إلى جانب عدد قليل من الدول الحليفة كبريطانيا وألمانيا وفرنسا في برنامج حرب النجوم.

وللتذكير، لم تمض غير بضع سنوات على إقامة الكيان الصهيوني على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، حتى بدأت "إسرائيل" بالإعداد لأهم بعد استراتيجي في البنية العسكرية، وبمساعدة فرنسا بشكل خاص في بناء وامتلاك السلاح النووي الذي لم تكن تملكه في ذلك الوقت إلا الدول الكبرى، وبهذا فقد انضمت على المسرح الدولي إلى نادي الدول النووية. ولأن "الإسرائيليين" يتوارثون العقيدة الأمنية بكل مكوناتها وعناصرها، فقد استمر البرنامج النووي حتى وصل مرحلة من التفوق في العدد والكم، وباتت العصا "الإسرائيلية" جاهزة، فأي خطر ستتعرض له "إسرائيل" فإن الرد سيكون كما رد شمشون صاحب دليلة: عليّ وعلى أعدائي.

وعليه، لكن يبقى الأهم في أنشطة "إسرائيل" في الفضاء، ما لهذه الأنشطة من أبعاد عسكرية واستراتيجية، وهي الأبعاد نفسها التي تُحِدّها "القيود الأمنية"، بحيث يمكن الجزم أن المسكوت عنه هو الشيء الجوهري الذي تعرض عنه، بل لا تتطرق إليه التسريبات، لا من قريب ولا من بعيد، لكنها في الوقت نفسه تسعى لطمأنة الجمهور "الإسرائيلي" على مناعة الدولة وقوتها العسكرية وتفوقها على أعدائها، وهي ما برحت تفعل ذلك منذ تأسيسها، وهذه النقطة هي "البعد المعنوي لأنشطة إسرائيل المتنوعة في الفضاء".

الوطن العمانية
0
التعليقات (0)