نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تدوينة، تحدث فيها الكاتب جوسكا فيشر عن الحرب القادمة المتوقعة في
الشرق الأوسط. وبين أن هزيمة
تنظيم الدولة في الموصل، وانهيار الخلافة في سوريا، لا يبشر بإمكانية حلول السلام في منطقة لا تزال تعيش تحت وطأة الصراعات والأزمات.
وقال فيشر، في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إنه من المرجح أن تفتح هزيمة تنظيم الدولة فصلا جديدا من التاريخ الدموي والفوضوي في المنطقة. وبالتالي، لن تقل الحرب القادمة خطورة عن تلك التي حدثت منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى.
وأضاف فيشر أن استمرار العنف في الشرق الأوسط يبدو أمرا لا مفر منه؛ نظرا لأن المنطقة لا تزال عاجزة عن حل نزاعاتها الداخلية، أو خلق إطار متين للسلام. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن للقوى الغربية أن تنكر مسؤوليتها في المصائب التي يواجهها الشرق الأوسط. كما أن اتفاقية سايكس بيكو، بين فرنسا والمملكة المتحدة (التي تمت سرا سنة 1916) على إثر سقوط الإمبراطورية العثمانية، ما تزال تحرض على الكثير من الغضب في العالم العربي.
وأبرز فيشر أنه ينبغي لنا ألّا ننسى الدور الذي تضطلع به روسيا في المنطقة، حيث فسحت المجال لتدخل كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في عدة مناطق. في الواقع، تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية قدر كبير من الفوضى الحالية التي تعم المنطقة. ففي البداية، كان اهتمامها بالشرق الأوسط يستند إلى الحاجة للنفط، ولكن مع بداية الحرب الباردة، تحولت المصالح الاقتصادية إلى مصالح استراتيجية تهدف إلى منع ظهور حكومات معادية للغرب ومؤيدة للسوفيتيين.
وأوضح فيشر أن تدخل الولايات المتحدة في أفغانستان كان له تداعيات عميقة. فقد أدى التمرد في الثمانينات، بدعم من واشنطن ضد الاحتلال السوفيتي، إلى تحول حلفاء الولايات المتحدة (باكستان والمملكة العربية السعودية) إلى مصدر للتهديدات الاستراتيجية. ولعل هذا ما اتضح إثر أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، حيث تبين أن 15 من بين 19 من المهاجمين كانوا سعوديين، إلى جانب إنشاء باكستان لحركة طالبان، التي وفرت لتنظيم القاعدة ملجأ لتخطيط الهجمات ضد الولايات المتحدة والغرب.
وأفاد فيشر بأن النجاح الذي شهدته حرب الخليج الأولى، التي قام بإطلاقها الرئيس جورج بوش الأب فيكانون الثاني/ يناير من سنة1991، أبادها ابنه جورج بعد 12 سنة. فقد تسببت حرب الخليج الثانية في كارثة إقليمية لا تزال مستمرة إلى حد يومنا هذا. والجدير بالذكر أن جورج بوش الأب اقتصر على السعي إلى تحرير الكويت، ولم يحاول تغيير النظام في
العراق. في المقابل، كانت أهداف ابنه أكثر طموحا.
وأشار الكاتب إلى أن خطط جورج بوش الابن كانت تهدف إلى الإطاحة بصدام حسين، وإقامة بلد عراقي ديمقراطي من شأنه أن يعمل كمحفز لتغيير واسع النطاق في الشرق الأوسط، وتحويله إلى منطقة ديمقراطية موالية للغرب. لكن النتيجة لم تكن سوى زعزعة الاستقرار في المنطقة، فضلا عن السماح لإيران بتوسيع نفوذها.
وبيّن فيشر أنه بعد زوال تنظيم الدولة، سيكون الفصل التالي من تاريخ الشرق الأوسط مخصصا للمواجهة المفتوحة والمباشرة بين السعودية السنية وإيران الشيعية، لبسط النفوذ في المنطقة. وإلى حد الآن، تمت تسوية هذا الصراع الكامن بسرية، بفضل الوسطاء.
في المقابل، اتخذت القوى العالمية النشطة في المنطقة موقفا واضحا؛ فالولايات المتحدة مع السعودية، وروسيا مع إيران. كما أن الصراع حول الهيمنة ستحل محله "الحرب على الإرهاب". أما الآن، بعد عزل السعودية وحلفائها السنيين لقطر، يمكن القول بأن الصراع وصل إلى نقطة تحوله الأولى في قلب المنطقة، أي الخليج العربي.
وتجدر الإشارة إلى أن أي مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران من شأنها أن تطلق العنان "لحريق إقليمي" أكبر بكثير من الحروب السابقة التي شهدها الشرق الأوسط. وفي الأثناء، لا تزال سوريا تعيش تحت وقع إطلاق النار، بينما تشهد العراق ضعفا حادا؛ بسبب الصراع الطائفي على السلطة. وبالتالي، من المرجح أن يحافظ تنظيم الدولة على نشاطه في المنطقة.
وذكر الكاتب أن من بين العوامل الأخرى المزعزعة للاستقرار إعادة فتح "القضية الكردية". فقد أثبت الأكراد أنهم مقاتلون يمكن الاعتماد عليهم في المعركة ضد تنظيم الدولة. ومقابل ذلك، يرغب الأكراد في استخدام صعودهم السياسي والعسكري للتحرك نحو تحقيق الحكم الذاتي، أو تشكيل دولة مستقلة. أما بالنسبة للدول المتضررة (خاصة تركيا وسوريا والعراق وإيران) فإن هذه القضية تعد بمثابة "ذريعة حرب"؛ لأنها تؤثر على سلامتها الإقليمية.
وفي سياق متصل، فإنه في حال تم الأخذ بعين الاعتبار هذه القضية العالقة، فضلا عن تصاعد الصراع من أجل الهيمنة بين إيران والمملكة السعودية، فمن المتوقع أن الفصل التالي في المنطقة لن يكون سلميا على الإطلاق.
وفي الختام، أشار فيشر إلى أن الكارثة التي جدت في العراق علّمت الولايات المتحدة أنها لا تستطيع أن تفوز في الحرب رغم تفوقها وقوتها العسكرية. كما أن محاولات أوباما لسحب القوات الأمريكية من المنطقة كانت أمرا صعبا، سواء سياسيا أو عسكريا. لهذا السبب، رفض التدخل المسلح في الحرب الأهلية السورية، ما ترك فراغا سرعان ما ملأته روسيا، بكل العواقب المعروفة.