قضايا وآراء

الأقصى يوحدنا والنصر ينتظرنا

قطب العربي
1300x600
1300x600
من المؤكد أن الانتفاضة التي عمت العديد من العواصم العربية والإسلامية والغربية دفاعا عن الأقصى لم تفاجئ العدو الصهيوني فقط بل فاجأت أيضا الكثيرين من بني جلدتنا حكاما ومحكومين. لم تكن سلطة الاحتلال الإسرائيلي تتوقع أن ينتفض العرب والمسلمون حين أغلقت أبواب الأقصى بوجه المصلين يوم الجمعة قبل الماضي، كانت كل حساباتها أن الفرصة مواتية لها تماما لتنجز ما عجزت عن فعله على مدى عقود سابقة، ولفرض هيمنة فعلية كاملة على الأقصى، وتنفيذ مشاريعها التخريبية التي تجعل المسجد أثرا بعد عين، في ظل حالة من الموات العربي والإسلامي، وارتماء قادة المنطقة في أحضان الصهاينة وأشباه الصهاينة من حكام العالم، واستكانة الشعوب العربية والإسلامية لحالة القهر التي فرضها عليهم حكامهم، فلم يعودوا يغضبون لقضية بعيدة عنهم مثل قضية الأقصى التي كانت تستنفر هممهم وتثير غضبهم من قبل، فيحتشدون لأجلها في الشوارع والميادين.

نجح الكيان الصهيوني في أن يكون لاعبا أساسيا في غرفة عمليات الثورة المضادة في المنطقة، والتي ضمت إلى جانبه النظامين السعودي والإماراتي، والجناح الدحلاني، وقد نجحت هذه الغرفة بما تملكه من طاقات وإمكانات مخابراتية ومالية، وإعلامية، في تنفيذ مخططها ضد الثورة المصرية، ولا تزال تواصل تآمرها على الثورات السورية، واليمنية، والليبية، والتونسية، كما سعت وفشلت في ترتيب انقلاب في تركيا، وآخر في قطر، وقد أسفرت تلك المحاولات والتحركات عن إشعال الفتن في المنطقة، وشغل أهلها بمعارك داخلية بين النظم وشعوبها، أو بين بعض الدول وجاراتها، والمحصلة الطبيعية لكل ذلك هي الانشغال بالمعارك الداخلية عن معارك الأمة المركزية وفي طليعتها معركة القدس والأقصى.

وحين أغلقت سلطات الاحتلال أبواب المسجد الأقصى أمام المصلين، كانت حساباتها أن الأمر سيمر بدون مقاومة في الداخل أو أدنى احتجاج في الخارج، ولكن لم تكد تمضي أيام قليلة على ذاك الإغلاق حتى انفجرت مقاومة أهل القدس ذودا عن الأقصى، حيث قدموا بعض الشهداء في مواجهاتهم مع قوات الاحتلال، كما انفجرت انتفاضة الغضب العربي والإسلامي، مظاهرات حاشدة في العديد من المدن والعواصم، ليثبت الأقصى مجددا أنه عنوان الوحدة العربية والإسلامية، ولينفخ في جسد هذه الأمة من روحه فيحييها بعد أن ظن أعداؤها أنها دانت لهم تماما، خاصة بعد أن أصبح حكام عرب ومسلمون يتنافسون في التودد للكيان الصهيوني، وتبرير جرائمه، والسعي لنيل الحظوة لديه، وقد كشفت الصحف الإسرائيلية أن التواصل بين قادة غرفة الثورة المضادة بدأ أثناء حكم الرئيس مرسي بزيارة سرية لوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى تل أبيب وتسلله من سلالم خلفية لمقابلة رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو، ولم تكن تلك الزيارة هي نهاية المطاف، بل لحقتها زيارات واتصالات غير معلنة لقادة وأمراء عرب، منهم قادة وساسة سعوديون، وأصبح للكيان الصهيوني وأجهزته المخابراتية دور كبير في إعادة هندسة المنطقة، ووصل الأمر بإمداد الجنرال خليفة حفتر بأسلحة ومعلومات ساعدته في معاركه ضد ثوار ليبيا مؤخرا.

لم يخف قادة الكيان الصهيوني كراهيتهم وعداءهم الصريح للرئيس المدني الدكتور محمد مرسي، ولم ينكروا مساعيهم وتحركاتهم لإسقاطه، وخاصة بعد وقفته الحازمة ضد حربهم على غزة في نوفمبر 2012، وإجبارهم على الانسحاب من حيث أتوا، وكذلك كلماته الخالدة عن الأقصى، كما لم يخف الصهاينة فرحتهم العارمة بالانقلاب عليه، ولم لا وهم أكثر المستفيدين من هذا الانقلاب الذي حول مصر من دولة مواجهة إلى سلطة موادعة لهم؟!، لقد حظرت سلطة الانقلاب أي مساس بالكيان المحتل، ورفضت السماح بأي مظاهرة ضده، ولذا فقد كان لافتا أن تمر هذه الجريمة الكبرى دون رد فعل قوي من الشارع المصري الذي كان في طليعة المنتفضين دفاعا عن الأقصى من قبل بقيادة الإخوان المسلمين الذين غيبهم الانقلاب بالقتل أو السجن أو التهجير أو المطاردة، وإن كان من الواجب علينا هنا أن نشير بكل فخر إلى تلك التظاهرات الرمزية التي دعا إليها التحالف الوطني لدعم الشرعية التي خرجت في عدة محافظات مصرية في شوارع جانبية يوم الجمعة تحمل شعارا واحدا (لبيك يا أقصى) متحدية كل مظاهر القمع والمطاردة.

شخصيا حبست دموعي حين كنت أشارك في إحدى الوقفات (الأربعين) في تركيا (مظاهرة بايزيد) التي شهدت حضورا كثيفا، وهتافات غاضبة من الأتراك، وشاركهم أيضا المصريون والعرب المهاجرون، فقد ذكرتني هذه الوقفة بتلك الوقفات التي كانت تشهدها القاهرة من قبل دفاعا عن الأقصى، والتي منعت سلطة الانقلاب تكرارها، كما أن المظاهرات التي عمت العديد من الدول العربية والإسلامية يومي الجمعة والسبت أثبتت أن شعوبنا لا تزال بخير، ولا تزال وفية لأقصاها وقدسها، لم تشغلها همومها ومشاكلها الداخلية عن قضية الأقصى، بل كان لافتا في فعاليات جمعة الغضب مشاركة يهود رافضين للصهيونية ورافضين لاحتلال الأراضي الفلسطينية في بعض الوقفات كما حدث في ميدان تايم سكوير بالولايات المتحدة الأمريكية، ما يعني أن القضية الفلسطينية في طريقها لاسترداد زخمها الذي فقدته بفعل الثورات المضادة، وكما كان الأقصى عنوانا للوحدة العربية والإسلامية فها هو يحيي موات هذه الأمة مجددا، ويطلق ماردها، ويؤذن بفجر جديد تتحرر فيه الأمة من أغلالها، وتستعيد إرادتها وأرضها ومقدساتها وأقصاها. 
0
التعليقات (0)

خبر عاجل