مقالات مختارة

عتاب للأنبا تواضروس

جمال سلطان
1300x600
1300x600
أسوأ ما يمكن لرجل الدين فعله هو خلط الدين بالسياسة، أو توظيف الدين لخدمة السياسة، ويكون الأمر أكثر سوءا عندما تكون الأجواء المحيطة بالناس شديدة القلق والخطر ونيرانها مشتعلة، فهنا يكون من أوجب واجبات رجل الدين أن ينأى بنفسه وبطائفته عن مشكلات السياسة ولهيبها، لأن مسؤوليته تقتضي نشر ثقافة السلام، والابتعاد بالناس عن مهيجات الغضب والعنف والدم، وهذا مع الأسف ما غاب عن قداسة الأنبا تواضروس عندما خاض أكثر من مرة في معترك السياسة وانقساماتها، وآخرها ما قاله لقناة موالية للرئيس السيسي أمس ومحسوبة على أجهزة رسمية.

تعرض البابا تواضروس من جديد لثورة يناير، وللربيع العربي بشكل عام، وهاجمه ووصفه بأوصاف مشينة وأدان الثورة، وقال إن الربيع العربي "أكذوبة"، وإن الكل ينتظر الربيع المليء بالخضرة والزهور والنور، إلا أن ما سمي بالربيع العربي ما هو إلا قتل ودم، ولا يوصف حتى بالخريف ولا الشتاء، وقال إن الفوضى لا يمكن أن تسمى ربيعا، وإن كل العالم خدع بـ"الربيع العربي".

ما قاله الأنبا تواضروس فيه أكثر من خطأ فادح، أوله الاعتداء على دستور البلاد، الذي ينبغي عليه أن يكون قدوة في احترامه، وعليه أن يعود لقراءة ما قاله الدستور المصري، مرجعية الدولة والشرعية والقوانين عن ثورة يناير، إحدى زهرات الربيع العربي، وكيف أنها أسست للشرعية الجديدة في مصر، وكيف أنها كانت فخرا ومجدا للشعب المصري، وليست فوضى وخرابا كما فهم البابا، وبشرعية ثورة يناير تم الإقرار بإسقاط نظام مبارك بكامله، بدستوره وحكومته وبرلمانه وحزبه وقياداته بالكامل، ومن يطعن في ثورة يناير فهو يطعن في كل تلك الإجراءات، بل هو يطعن في أساس شرعية رئيس الجمهورية الحالي نفسه، لأن نظامه تأسس على بعض نتائج ثورة يناير.

كما أن هجوم بابا الأقباط على الربيع العربي يضعه في خصومة عنيفة مع شعوب ثلاث دول عربية على الأقل، بعضها ما زالت تعيش توابع الثورة والثورة المضادة بالدم والبارود، مثل سوريا وليبيا، وبعضها يخوض صراعا سياسيا مريرا مع محاولات الثورة المضادة لإجهاض نتائج الربيع مثل تونس، فما الذي يجعل البابا تواضروس يتطوع لمعاداة هذه الشعوب، وما الذي يجنيه لطائفته من استعداء ملايين الشعوب العربية عليه وعليها، وقد كان في غنى عن ذلك كله بالتزام الصمت أو اللغة الحكيمة والفضفاضة التي كان يستخدمها البابا شنودة.

يدرك البابا تواضروس أن الاتهامات التي توجه إليه خلال السنوات الماضية ـ حقا كانت أو باطلا ـ أنه كان شريكا في تحركات شعبية للإطاحة بنظام محمد مرسي وجماعة الإخوان، كما أن البعض يصعد بالأمر لمحاولة اتهامه بأنه جزء من الثورة المضادة، وهناك مجرمون يستغلون  تلك الاتهامات المرسلة لتبرير الاعتداءات المروعة على أهلنا الأقباط، وقد ذهب ضحية لهذا الجنون عشرات الأبرياء ممن لا ناقة لهم ولا جمل في السياسة ولا آراء البابا تواضروس السياسية، والدولة تعاني عناء شديدا من جرائم الإرهاب الذي يستهدف إخواننا الأقباط وتخوض معركة صعبة لاحتوائه ودحره، وجزء مهم من المعركة أن تحرم المعتدي من أدوات حشده المعنوية، لا أن تمنحه أنت تلك الأدوات بخوضك في هذا المعترك الناري الملتهب برعونة وسوء تقدير.

ما يفعله البابا تواضروس ـ مع الأسف ـ هو صب المزيد من الزيت على نار الفتنة والكراهية، وحشر نفسه ـ طواعية ـ في شق الانقسام الوطني الهائل في مصر، الذي نعاني منه من سنوات ويتسع يوما بعد يوم ليستقطب دوائر شعبية أخرى، وإذا كان الإرهابيون القتلة مسؤولين بشكل أول ومباشر عن دماء الضحايا، فالمؤكد أن هناك مسؤولين آخرين، بقصد أو دون قصد، ممن يشعلون المزيد من نيران الكراهية والغضب والإثارة.

البابا تواضروس المثقف لا أظنه يجهل أن الخراب والدمار لم يكن من الربيع العربي وإنما من الثورات المضادة على الربيع، شعوب استبيحت كرامتها على مدار عقود طويلة، نهضت تبحث عن الكرامة والحرية والعدل، لماذا تشتمها، لماذا تهينها، بدلا من أن تقوم بدورك الأخلاقي، الذي قام به نظراؤك في أمريكا اللاتينية، في حماية المستضعفين، ودعم مطالب الشعوب في العدل والكرامة والحرية؟ الخراب لم يأت به شبان تظاهروا في الميادين بصدورهم العارية وحناجرهم التي تهتف للحرية يا قداسة البابا، وإنما الخراب والدمار أتت به الدبابات والمدفعية والطائرات والصواريخ التي دمرت مدنا وهجرت الملايين وأجهضت أشواق الشعوب للحرية، الخراب لم يأت به الربيع العربي، وإنما أتت به المؤامرات والانقلابات على الربيع العربي. 

المصريون المصرية
2
التعليقات (2)
أبوبكر إمام
السبت، 24-06-2017 06:07 م
بعض الناس يجد مربع التعاليق مفتوحا فبدلا من أن يخط بيمينه ما ينفع يتقيأ في المربع .
ابوبكر
السبت، 24-06-2017 04:16 ص
عتاب ??? إلى متى الذل أما شبعتم ذل ّ..الضراطروس ..كنيسته تشرف على 16 قناة تلفزيونيه كل كلامهم شتم الإسلام والاستهزاء بدين الله والقرآن لكن الإخوان يبقون أبناء العاهره سلميه ... لا غيره ولا شرف للاسف